وَلِأَنَّهَا أَحَدُ الْوَالِدَيْنِ، فَمُنِعَتْ التَّفْضِيلَ كَالْأَبِ، وَلِأَنَّ مَا يَحْصُلُ بِتَخْصِيصِ الْأَبِ بَعْضَ وَلَدِهِ مِنْ الْحَسَدِ وَالْعَدَاوَةِ، يُوجَدُ مِثْلُهُ فِي تَخْصِيصِ الْأُمِّ بَعْضَ وَلَدِهَا، فَثَبَتَ لَهَا مِثْلُ حُكْمِهِ فِي ذَلِكَ.
[فَصْلٌ الرُّجُوعَ فِيمَا وَهَبَ لِوَلَدِهِ]
(٤٤٦٤) فَصْلٌ: وَقَوْلُ الْخِرَقِيِّ: " أُمِرَ بِرَدِّهِ ". يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْأَبِ الرُّجُوعَ فِيمَا وَهَبَ لِوَلَدِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ، سَوَاءٌ قَصَدَ بِرُجُوعِهِ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْأَوْلَادِ أَوْ لَمْ يُرِدْ، وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ. وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى: لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا. وَبِهَا قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْعَنْبَرِيُّ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ، كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: مَنْ وَهَبَ هِبَةً يَرَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهَا صِلَةَ رَحِمٍ، أَوْ عَلَى وَجْهِ صَدَقَةٍ، فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِيهَا، وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً أَرَادَ بِهَا الثَّوَابَ، فَهُوَ عَلَى هِبَتِهِ، يَرْجِعُ فِيهَا إذَا لَمْ يَرْضَ مِنْهَا. رَوَاهُ مَالِكٌ، فِي " الْمُوَطَّأِ ". وَلِأَنَّهَا هِبَةٌ يَحْصُلُ بِهَا الْأَجْرُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَمْ يَجُزْ الرُّجُوعُ فِيهَا، كَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ. وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ: " فَارْدُدْهُ ". وَرُوِيَ: " فَأَرْجِعْهُ ". رَوَاهُ كَذَلِكَ مَالِكٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ النُّعْمَانِ فَأَمَرَهُ بِالرُّجُوعِ فِي هِبَتِهِ،
وَأَقَلُّ أَحْوَالِ الْأَمْرِ الْجَوَازُ وَقَدْ امْتَثَلَ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ فِي ذَلِكَ، فَرَجَعَ فِي هِبَتِهِ لِوَلَدِهِ، أَلَّا تَرَاهُ قَالَ فِي الْحَدِيثِ: فَرَجَعَ أَبِي، فَرَدَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ. وَحَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَعْطَاهُ شَيْئًا، يُخَالِفُ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ؛ لِقَوْلِهِ: تَصَدَّقَ عَلَيَّ أَبِي بِصَدَقَةٍ. وَقَوْلُ بَشِيرٍ: إنِّي نَحَلْت ابْنِي غُلَامًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَدْ أَعْطَاهُ. وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " فَارْدُدْهُ ". وَقَوْلُهُ: " فَأَرْجِعْهُ ". وَرَوَى طَاوُسٌ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، يَرْفَعَانِ الْحَدِيثَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً، فَيَرْجِعَ فِيهَا، إلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَهَذَا يَخُصُّ عُمُومَ مَا رَوَوْهُ وَيُفَسِّرُهُ. وَقِيَاسُهُمْ مَنْقُوضٌ بِهِبَةِ الْأَجْنَبِيِّ؛ فَإِنَّ فِيهَا أَجْرًا وَثَوَابًا، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَدَبَ إلَيْهَا. وَعِنْدَهُمْ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا، وَالصَّدَقَةُ عَلَى الْوَلَدِ كَمَسْأَلَتِنَا، وَقَدْ دَلَّ حَدِيثُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عَلَى الرُّجُوعِ فِي الصَّدَقَةِ؛ لِقَوْلِهِ: تَصَدَّقَ عَلَيَّ أَبِي بِصَدَقَةٍ.
[فَصْلٌ الْأُمُّ كَالْأَبِ، فِي الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ]
(٤٤٦٥) فَصْلٌ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، أَنَّ الْأُمَّ كَالْأَبِ، فِي الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: " وَإِذَا فَاضَلَ بَيْنَ أَوْلَادِهِ " يَتَنَاوَلُ كُلَّ وَالِدٍ، ثُمَّ قَالَ فِي سِيَاقِهِ: " أُمِرَ بِرَدِّهِ ". فَيَدْخُلُ فِيهِ الْأُمُّ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِهِ: " إلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ ". وَلِأَنَّهَا لَمَّا دَخَلَتْ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «سَوُّوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ» . يَنْبَغِي أَنْ يَتَمَكَّنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute