قَرَنَتْ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ: يَسَعُك طَوَافُك لِحَجِّك وَعُمْرَتِك» . وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، أَجْزَأَهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ، وَسَعْيٌ وَاحِدٌ عَنْهُمَا جَمِيعًا» . وَعَنْ جَابِرٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَطَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا» . رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَرَوَى لَيْثٌ، عَنْ طَاوُسٍ، وَعَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، عَنْ جَابِرٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ لِعُمْرَتِهِمْ وَحَجِّهِمْ إلَّا طَوَافًا وَاحِدًا» . رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَابْنُ مَاجَهْ. وَعَنْ سَلَمَةَ، قَالَ: حَلَفَ طَاوُسٌ مَا طَافَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إلَّا طَوَافًا وَاحِدًا. وَلِأَنَّهُ نَاسِكٌ يَكْفِيهِ حَلْقٌ وَاحِدٌ، وَرَمْيٌ وَاحِدٌ، فَكَفَاهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ، وَسَعْيٌ وَاحِدٌ، كَالْمُفْرِدِ، وَلِأَنَّهُمَا عِبَادَتَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا اجْتَمَعَتَا دَخَلَتْ أَفْعَالُ الصُّغْرَى فِي الْكُبْرَى، كَالطَّهَارَتَيْنِ.
وَأَمَّا الْآيَةُ، فَإِنَّ الْأَفْعَالَ إذَا وَقَعَتْ لَهُمَا فَقَدْ تَمَّا. وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي احْتَجُّوا بِهِ، فَلَا نَعْلَمُ صِحَّتَهُ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ طُرُقٍ ضَعِيفَةٍ، فِي بَعْضِهَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ، وَفِي بَعْضِهَا عُمَرُ بْنُ يَزِيدَ، وَفِي بَعْضِهَا حَفْصُ بْنُ أَبِي دَاوُد، وَكُلُّهُمْ ضُعَفَاءُ، وَكَفَى بِهِ ضَعْفًا مُعَارَضَتُهُ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ.
وَإِنْ صَحَّ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ: عَلَيْهِ طَوَافٌ وَسَعْيٌ. فَسَمَّاهُمَا طَوَافَيْنِ، فَإِنَّ السَّعْيَ يُسَمَّى طَوَافًا؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: ١٥٨] . وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ: عَلَيْهِ طَوَافَانِ؛ طَوَافُ الزِّيَارَةِ، وَطَوَافُ الْوَدَاعِ.
[فَصْل قَتَلَ الْقَارِنُ صَيْدًا]
(٢٥٩٤) فَصْلٌ: وَإِنْ قَتَلَ الْقَارِنُ صَيْدًا، فَعَلَيْهِ جَزَاءٌ وَاحِدٌ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فَقَالَ: إذَا قَتَلَ الْقَارِنُ صَيْدًا، فَعَلَيْهِ جَزَاءٌ وَاحِدٌ. وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: فِي ذَلِكَ جَزَاءَانِ. فَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَقُولُوا: فِي صَيْدِ الْحَرَمِ ثَلَاثَةٌ. لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: فِي الْحِلِّ اثْنَانِ. فَفِي الْحَرَمِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ثَلَاثَةً.
وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: عَلَيْهِ جَزَاءَانِ. قَالَ الْقَاضِي: وَإِذَا قُلْنَا عَلَيْهِ طَوَافَانِ، لَزِمَهُ جَزَاءَانِ. وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: ٩٥] . وَمَنْ أَوْجَبَ جَزَاءَيْنِ، فَقَدْ أَوْجَبَ مِثْلَيْنِ. وَلِأَنَّهُ صَيْدٌ وَاحِدٌ، فَلَمْ يَجِبْ فِيهِ جَزَاءَانِ، كَمَا لَوْ قَتَلَ الْمُحْرِمُ فِي الْحَرَمِ صَيْدًا. وَلِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى مُحْرِمَيْنِ قَتَلَا صَيْدًا، وَلَيْسَ عَلَيْهِمَا إلَّا فِدَاءٌ وَاحِدٌ، وَكَذَلِكَ مُحْرِمٌ وَحَلَالٌ قَتَلَا صَيْدًا حَرَمِيًّا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute