[فَصْلٌ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ ثُمَّ وَصَلَ يَمِينَهُ بِكَلَامِهِ]
(٨١٦٤) فَصْلٌ: فَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ. ثُمَّ وَصَلَ يَمِينَهُ بِكَلَامِهِ، مِثْلَ أَنْ قَالَ: فَتَحَقَّقْ ذَلِكَ، أَوْ فَاذْهَبْ. فَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَحْنَثُ. وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا يَحْنَثُ بِالْقَلِيلِ؛ لِأَنَّ هَذَا تَمَامُ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ يَمِينُهُ أَنْ لَا يُكَلِّمَهُ كَلَامًا مُسْتَأْنَفًا.
وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ هَذَا الْقَلِيلَ كَلَامٌ مِنْهُ لَهُ حَقِيقَةً، وَقَدْ وُجِدَ بَعْدَ يَمِينِهِ، فَيَحْنَثُ بِهِ، كَمَا لَوْ فَصَلَهُ، وَلِأَنَّ مَا يَحْنَثُ بِهِ إذَا فَصَلَهُ، يَحْنَثُ بِهِ إذَا وَصَلَهُ، كَالْكَثِيرِ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّ الْيَمِينَ يَقْتَضِي خِطَابًا مُسْتَأْنَفًا. قُلْنَا: هَذَا الْخِطَابُ مُسْتَأْنَفٌ، غَيْرُ الْأَوَّلِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَهُ حَنِثَ بِهِ. وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ قَرِينَةَ صِلَتِهِ هَذَا الْكَلَامَ بِيَمِينِهِ، تَدُلُّ عَلَى إرَادَة كَلَامٍ يَسْتَأْنِفُهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ هَذَا الْكَلَامِ الْمُتَّصِلِ، فَلَا يَحْنَثُ بِهِ، كَمَا لَوْ وُجِدَتْ النِّيَّةُ حَقِيقَةً. وَإِنْ نَوَى كَلَامًا غَيْرَ هَذَا، لَمْ يَحْنَثْ بِهَذَا فِي الْمَذْهَبَيْنِ.
[فَصْلٌ صَلَّى بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَلَا يُكَلِّمهُ إمَامًا ثُمَّ سَلَّمَ مِنْ الصَّلَاة]
(٨١٦٥) فَصْلٌ: وَإِنْ صَلَّى بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ إمَامًا، ثُمَّ سَلَّمَ مِنْ الصَّلَاةِ، لَمْ يَحْنَثْ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: يَحْنَثُ لِأَنَّهُ شُرِعَ لَهُ أَنْ يَنْوِيَ السَّلَامَ عَلَى الْحَاضِرِينَ. وَلَنَا، أَنَّهُ قَوْلٌ مَشْرُوعٌ فِي الصَّلَاةِ، فَلَمْ يَحْنَثْ بِهِ، كَتَكْبِيرِهَا، وَلَيْسَتْ نِيَّةُ الْحَاضِرِينَ بِسَلَامِهِ وَاجِبَةً فِي السَّلَامِ. وَإِنْ اُرْتُجَّ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ، فَفَتَحَ عَلَيْهِ الْحَالِفُ، لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ ذَلِكَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَيْسَ بِكَلَامِ الْآدَمِيِّينَ.
[فَصْلٌ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ فَقَرَأَ]
(٨١٦٦) فَصْلٌ: وَإِنْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ، فَقَرَأَ، لَمْ يَحْنَثْ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ، لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ قَرَأَ خَارِجًا مِنْهَا، حَنِثَ لِأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامِ اللَّهِ. وَإِنْ ذَكَرَ اللَّهَ - تَعَالَى، لَمْ يَحْنَثْ.
وَمُقْتَضَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى} [الفتح: ٢٦] . وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَفْضَلُ الْكَلَامِ أَرْبَعٌ؛ سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ» . وَقَالَ «كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إلَى الرَّحْمَنِ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ» .
وَلَنَا، أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْعُرْفِ لَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ، وَلِهَذَا لَمَّا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ، وَإِنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ أَنْ لَا تَتَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ» . لَمْ يَتَنَاوَلْ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute