للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: ٤٨] . وَلِأَنَّهُ لَا يَسُوغُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحُكْمُ بِغَيْرِ شَرِيعَتِهِ، وَلَوْ سَاغَ ذَلِكَ لَسَاغَ لِغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا رَاجَعَ التَّوْرَاةَ لِتَعْرِيفِهِمْ أَنَّ حُكْمَ التَّوْرَاةِ مُوَافِقٌ لِمَا يَحْكُمُ بِهِ عَلَيْهِمْ، وَأَنَّهُمْ تَارِكُونَ لِشَرِيعَتِهِمْ، مُخَالِفُونَ لِحُكْمِهِمْ، ثُمَّ هَذَا حُجَّةٌ لَنَا، فَإِنَّ حُكْمَ اللَّهِ فِي وُجُوبِ الرَّجْمِ إنْ كَانَ ثَابِتًا فِي حَقِّهِمْ يَجِبُ أَنْ يُحْكَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ، فَقَدْ ثَبَتَ وُجُودُ الْإِحْصَانِ فِيهِمْ، فَإِنَّهُ لَا مَعْنَى لَهُ سِوَى وُجُوبِ الرَّجْمِ عَلَى مَنْ زَنَى مِنْهُمْ بَعْدَ وُجُودِ شُرُوطِ الْإِحْصَانِ مِنْهُ، وَإِنْ مَنَعُوا ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي حَقِّهِمْ، فَلِمَ حَكَمَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ . وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَى إحْصَانِ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهِ الْعِفَّةَ، وَلَيْسَتْ شَرْطًا هَاهُنَا.

[فَصْل ارْتِدَاد الْمُحْصَن الزَّانِي]

(٧١٣٨) فَصْلٌ: وَلَوْ ارْتَدَّ الْمُحْصَنُ، لَمْ يَبْطُلْ إحْصَانُهُ، فَلَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ مُحْصَنًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يَبْطُلُ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ عِنْدَهُ شَرْطٌ فِي الْإِحْصَانِ. وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ، ثُمَّ هَذَا دَاخِلٌ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَوْ زِنًا بَعْدَ إحْصَانٍ» . وَلِأَنَّهُ زَنَى بَعْدَ الْإِحْصَانِ، فَكَانَ حَدُّهُ الرَّجْمَ، كَاَلَّذِي لَمْ يَرْتَدَّ. فَأَمَّا إنْ نَقَضَ الذِّمِّيُّ الْعَهْدَ، وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ إحْصَانِهِ، فَسُبِيَ وَاسْتُرِقَّ، ثُمَّ أُعْتِقَ، احْتَمَلَ أَنْ لَا يَبْطُلَ إحْصَانُهُ، لِأَنَّهُ زَنَى بَعْدَ إحْصَانِهِ فَأَشْبَهَ مَنْ ارْتَدَّ. وَاحْتَمَلَ أَنْ يَبْطُلَ؛ لِأَنَّهُ بَطَلَ بِكَوْنِهِ رَقِيقًا، فَلَا يَعُودُ إلَّا بِسَبَبٍ جَدِيدٍ، بِخِلَافِ مَنْ ارْتَدَّ.

[فَصْل زَنَى وَلَهُ زَوْجَة لَهُ مِنْهَا وَلَد فَقَالَ مَا وَطِئَتْهَا]

فَصْلٌ: وَإِذَا زَنَى وَلَهُ زَوْجَةٌ لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ، فَقَالَ: مَا وَطِئْتُهَا. لَمْ يُرْجَمْ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُرْجَمُ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ وَطْءٍ. فَقَدْ حَكَمَ بِالْوَطْءِ ضَرُورَةَ الْحُكْمِ بِالْوَلَدِ. وَلَنَا، أَنَّ الْوَلَدَ يَلْحَقُ بِإِمْكَانِ الْوَطْءِ وَاحْتِمَالِهِ، وَالْإِحْصَانُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِحَقِيقَةِ الْوَطْءِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ مَا يُكْتَفَى فِيهِ بِالْإِمْكَانِ وُجُودُ مَا تُعْتَبَرُ فِيهِ الْحَقِيقَةُ وَهُوَ أَحَقُّ النَّاسِ بِهَذَا، فَإِنَّهُ قَالَ: لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي مَجْلِسِ الْحَاكِمِ، ثُمَّ طَلَّقَهَا فِيهِ، فَأَتَتْ بِوَلَدٍ لَحِقَهُ. مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَمْ يَطَأْهَا فِي الزَّوْجِيَّةِ، فَكَيْفَ يُحْكَمُ بِحَقِيقَةِ الْوَطْءِ مَعَ تَحَقُّقِ انْتِفَائِهِ، وَهَكَذَا لَوْ كَانَ لِامْرَأَةٍ وَلَدٌ مِنْ زَوْجٍ، فَأَنْكَرَتْ أَنْ يَكُونُ وَطِئَهَا لَمْ يَثْبُتْ إحْصَانُهَا لِذَلِكَ.

[فَصْلٌ شَهِدَتْ بَيِّنَة الْإِحْصَان عَلَى مِنْ أَنْكَرَهُ أَنَّهُ دَخَلَ بِزَوْجَتِهِ]

(٧١٤٠) فَصْلٌ: وَلَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ الْإِحْصَانِ أَنَّهُ دَخَلَ بِزَوْجَتِهِ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَثْبُتُ الْإِحْصَانُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ لَفْظِ

<<  <  ج: ص:  >  >>