للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا مُجَابَةٌ. وَأَدْخِلْ رَبَّ الصَّرِيمَةِ وَالْغَنِيمَةِ، وَدَعْنِي مِنْ نَعَمِ ابْن عَوْفٍ وَنَعَمِ ابْن عَفَّانَ، فَإِنَّهُمَا إنْ هَلَكَتْ مَاشِيَتُهُمَا رَجَعَا إلَى نَخْلٍ وَزَرْعٍ، وَإِنَّ هَذَا الْمِسْكِينَ إنْ هَلَكَتْ مَاشِيَتُهُ، جَاءَ يَصْرُخُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَالْكَلَأُ أَهْوَنُ عَلَيَّ أَمْ غُرْمُ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، إنَّهَا أَرْضُهُمْ قَاتَلُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَسْلَمُوا عَلَيْهَا فِي الْإِسْلَامِ، وَإِنَّهُمْ لَيَرَوْنَ أَنَّا نَظْلِمُهُمْ، وَلَوْلَا النَّعَمُ الَّتِي يُحْمَلُ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مَا حَمَيْت عَلَى النَّاسِ مِنْ بِلَادِهِمْ شَيْئًا أَبَدًا.

وَهَذَا إجْمَاعٌ مِنْهُمْ. وَلِأَنَّ مَا كَانَ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، قَامَتْ الْأَئِمَّةُ فِيهِ مَقَامَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَا أَطْعَمَ اللَّهُ لِنَبِيٍّ طُعْمَةً إلَّا جَعَلَهَا طُعْمَةً لِمَنْ بَعْدَهُ»

وَأَمَّا الْخَبَرُ فَمَخْصُوصٌ، وَأَمَّا حِمَاهُ لِنَفْسِهِ، فَيُفَارِقُ حِمَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِنَفْسِهِ، لِأَنَّ صَلَاحَهُ يَعُودُ إلَى صَلَاحِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَا لَهُ كَانَ يَرُدُّهُ فِي الْمُسْلِمِينَ، فَفَارَقَ الْأَئِمَّةَ فِي ذَلِكَ، وَسَاوَوْهُ فِيمَا كَانَ صَلَاحًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَحْمُوا إلَّا قَدْرًا لَا يُضَيَّقُ بِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَيَضُرُّ بِهِمْ؛

لِأَنَّهُ إنَّمَا جَازَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ

لِمَا يَحْمَى، وَلَيْسَ مِنْ الْمَصْلَحَةِ إدْخَالُ الضَّرَرِ عَلَى أَكْثَرِ النَّاسِ.

[فَصْلٌ حُكْم مَا حَمَاهُ غَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ]

(٤٣٥٢) فَصْلٌ: وَمَا حَمَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ نَقْضُهُ، وَلَا تَغْيِيرُهُ، مَعَ بَقَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ. وَمَنْ أَحْيَا مِنْهُ شَيْئًا لَمْ يَمْلِكْهُ. وَإِنْ زَالَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ. وَمَا حَمَاهُ غَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ، فَغَيَّرَهُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ، جَازَ. وَإِنْ أَحْيَاهُ إنْسَانٌ، مَلَكَهُ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ حِمَى الْأَئِمَّةِ اجْتِهَادٌ، وَمِلْكُ الْأَرْضِ بِالْإِحْيَاءِ نَصٌّ، وَالنَّصُّ يُقَدَّمُ عَلَى الِاجْتِهَادِ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ لَا يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّ اجْتِهَادَ الْإِمَامِ لَا يَجُوزُ نَقْضُهُ، كَمَا لَا يَجُوزُ نَقْضُ حُكْمِهِ. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا عَلَى نَحْوِ مَا قُلْنَا.

[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْمِيَاهِ]

(٤٣٥٣) فَصْلٌ: فِي أَحْكَامِ الْمِيَاهِ، قَدْ ذَكَرْنَا فِي الْبَيْعِ حُكْمَ مِلْكِهَا وَبَيْعِهَا، وَنَذْكُرُ هَاهُنَا حُكْمَ السَّقْيِ بِهَا. فَنَقُولُ: لَا يَخْلُو الْمَاءُ مِنْ حَالَيْنِ؛ إمَّا أَنْ يَكُونَ جَارِيًا، أَوْ وَاقِفًا، فَإِنْ كَانَ جَارِيًا فَهُوَ ضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ فِي نَهْرٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ، وَهُوَ قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ نَهْرًا عَظِيمًا، كَالنِّيلِ وَالْفُرَاتِ وَدِجْلَةَ، وَمَا أَشْبَهَهَا مِنْ الْأَنْهَارِ الْعَظِيمَةِ، الَّتِي لَا يَسْتَضِرُّ أَحَدٌ بِسَقْيِهِ مِنْهَا، فَهَذَا لَا تَزَاحُمَ فِيهِ، وَلِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَسْقِيَ مِنْهَا مَا شَاءَ، مَتَى شَاءَ، وَكَيْف شَاءَ.

الْقِسْمُ الثَّانِي، أَنْ يَكُونَ نَهْرًا صَغِيرًا يَزْدَحِمُ النَّاسُ فِيهِ، وَيَتَشَاحُّونَ فِي مَائِهِ، أَوْ سَيْلًا يَتَشَاحُّ فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>