للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَقْفُ فِي نَصِيبِهِ بِغَيْرِ يَمِينِهِ، كَالْبَالِغِ، وَإِنْ كَانَ حَادِثًا بَعْدَ ثُبُوتِ الْوَقْفِ بِأَيْمَانِهِمْ، فَهُمْ مُقِرُّونَ لَهُ بِنَصِيبِهِ وَهُوَ يُصَدِّقُهُمْ فِي إقْرَارِهِمْ فَلَمْ يَجُزْ لَهُمْ أَخْذُ نَصِيبِهِ كَمَا لَوْ أَقَرُّوا لَهُ بِمَالٍ، وَلِأَنَّهُمْ يُقِرُّونَ بِأَنَّهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْوَقْفِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ أَخْذُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.

وَإِنْ مَاتَ الصَّغِيرُ قَبْلَ بُلُوغِهِ، قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ، فِيمَا ذَكَرْنَا. وَإِنْ مَاتَ أَحَدُ الْبَنِينَ الْبَالِغِينَ قَبْلَ بُلُوغِ الصَّغِيرِ، وُقِفَ أَيْضًا نَصِيبُهُ مِمَّا كَانَ لِعَمِّهِ الْمَيِّتِ، وَكَانَ الْحُكْمُ فِيهِ، كَالْحُكْمِ فِي نَصِيبِهِ الْأَصْلِيِّ. وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ بَلَغَ فَامْتَنَعَ مِنْ الْيَمِينِ، فَالرُّبْعُ مَوْقُوفٌ إلَى حِينِ مَوْتِ الثَّالِثِ، وَيُقْسَمُ بَيْنَ الْبَالِغِينَ وَوَرَثَةِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ، وَنَصِيبُهُ مِنْ الْمَيِّتِ لِلْبَالِغَيْنِ الْحَيَّيْنِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُمَا مُسْتَحِقَّا الْوَقْفِ.

[مَسْأَلَة الْمُدَّعِيَ إذَا ذَكَرَ أَنَّ بَيِّنَتَهُ بَعِيدَةٌ مِنْهُ أَوْ لَا يُمْكِنُهُ إحْضَارُهَا أَوْ لَا يُرِيدُ إقَامَتَهَا فَطَلَبَ الْيَمِينَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ]

(٨٤٢٧) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ ادَّعَى دَعْوَى، وَذَكَرَ أَنَّ بَيِّنَتَهُ بِالْبُعْدِ مِنْهُ، فَحَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، ثُمَّ أَحْضَرَ الْمُدَّعِي بَيِّنَتَهُ حُكِمَ بِهَا، وَلَمْ تَكُنْ الْيَمِينُ مُزِيلَةً لِلْحَقِّ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا ذَكَرَ أَنَّ بَيِّنَتَهُ بَعِيدَةٌ مِنْهُ، أَوْ لَا يُمْكِنُهُ إحْضَارُهَا، أَوْ لَا يُرِيدُ إقَامَتَهَا، فَطَلَبَ الْيَمِينَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، أُحْلِفَ لَهُ، فَإِذَا حَلَفَ، ثُمَّ أَحْضَرَ الْمُدَّعِي بِبَيِّنَةِ، حُكِمَ لَهُ.

وَبِهَذَا قَالَ شُرَيْحٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَإِسْحَاقُ. وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَدَاوُد، أَنَّ بَيِّنَتَهُ لَا تُسْمَعُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ حُجَّةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَلَا تُسْمَعُ بَعْدَهَا حُجَّة الْمُدَّعِي، كَمَا لَا تُسْمَعُ يَمِينُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي. وَلَنَا، قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْبَيِّنَةُ الصَّادِقَةُ، أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ. وَظَاهِرُ هَذِهِ الْبَيِّنَةِ الصِّدْقُ، وَيَلْزَمُ مِنْ صِدْقِهَا فُجُورُ الْيَمِينِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَتَكُونُ أَوْلَى، وَلِأَنَّ كُلَّ حَالَةٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَقُّ فِيهَا بِإِقْرَارِهِ، يَجِبُ عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ، كَمَا قَبْلَ الْيَمِينِ، وَمَا ذَكَرُوهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ الْأَصْلُ، وَالْيَمِينَ بَدَلٌ عَنْهَا.

وَلِهَذَا لَا تُشْرَعُ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِهَا، وَالْبَدَلُ يَبْطُلُ بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْمُبْدَلِ، كَبُطْلَانِ التَّيَمُّمِ بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ، وَلَا يَبْطُلُ الْأَصْلُ بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْبَدَلِ، وَيَدُلُّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَمَا، أَنَّهُمَا حَالَ اجْتِمَاعِهِمَا، وَإِمْكَانِ سَمَاعِهِمَا، تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ، وَيُحْكَمُ بِهَا، وَلَا تُسْمَعُ الْيَمِينُ، وَلَا يُسْأَلُ عَنْهَا.

[فَصْل طَلَبَ الْمُدَّعِي حَبْسَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ إقَامَةَ كَفِيلٍ بِهِ إلَى أَنْ تَحْضُرَ بَيِّنَتُهُ الْبَعِيدَةُ]

(٨٤٢٨) فَصْلٌ: وَإِنْ طَلَبَ الْمُدَّعِي حَبْسَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، أَوْ إقَامَةَ كَفِيلٍ بِهِ إلَى أَنْ تَحْضُرَ بَيِّنَتُهُ الْبَعِيدَةُ، لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مُلَازَمَةُ خَصْمِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ قِبَلَهُ حَقٌّ يُحْبَسُ بِهِ، وَلَا يُقِيمُ بِهِ كَفِيلًا، وَلِأَنَّ الْحَبْسَ عَذَابٌ، فَلَا يَلْزَمُ مَعْصُومًا لَمْ يَتَوَجَّهْ عَلَيْهِ حَقٌّ، وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ ذَلِكَ، لَتَمَكَّنَ كُلُّ ظَالِمٍ مِنْ حَبْسٍ مَنْ شَاءَ مِنْ النَّاسِ بِغَيْرِ حَقٍّ.

وَإِنْ كَانَتْ بَيِّنَتُهُ قَرِيبَةً، فَلَهُ مُلَازَمَتُهُ حَتَّى يُحْضِرَهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ ضَرُورَةِ إقَامَتِهَا، فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>