فَأَمَّا إنْ كَانَ شَرْطُ الْوَاقِفِ أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ وَلَدٍ، انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَيْهِ، انْتَقَلَ إلَى أَوْلَادِهِ، وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ لَا مُنَازِعَ لَهُمْ فِيهِ. وَإِنْ مَاتَ مِنْ غَيْرِ وَلَدٍ، انْتَقَلَ إلَى أَخَوَيْهِ، عَلَى الْوَجْهِ الصَّحِيحِ، وَيُخَرَّجُ فِيهِ الْوَجْهَانِ الْآخَرَانِ. الْحَالُ الثَّانِي، إذَا كَانَ الْوَقْفُ مُشْتَرَكًا؛ وَهُوَ أَنْ يَدَّعُوا أَنَّ أَبَاهُمْ وَقَفَ دَارِهِ عَلَى وَلَدِهِ، وَوَلَدِ وَلَدِهِ مَا تَنَاسَلُوا، فَقَدْ شَرَّكَ بَيْنَ الْبُطُونِ، فَفِي هَذِهِ الْحَالِ، إذَا حَلَفَ أَوْلَادُهُ الثَّلَاثَةُ مَعَ شَاهِدِهِمْ وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَوْلَادِهِمْ مَعَهُمْ مَوْجُودًا، ثَبَتَ الْوَقْفُ عَلَى الثَّلَاثَةِ.
وَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِهِمْ أَحَدٌ مَوْجُودًا، فَهُوَ شَرِيكُهُمْ، فَإِنْ كَانَ كَبِيرًا حَلَفَ وَاسْتَحَقَّ، وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ كَانَ نَصِيبُهُ مِيرَاثًا تُقْضَى مِنْهُ الدُّيُونُ، وَتَنْفُذُ الْوَصَايَا، وَبَاقِيه لِلْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ الْوَقْفَ ابْتِدَاءً مِنْ الْوَاقِفِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ، فَهُوَ كَأَحَدِ الْبَنِينَ. وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا، أَوْ حَدَثَ لِأَحَدِ الْبَنِينَ وَلَدٌ يُشَارِكُهُمْ فِي الْوَقْفِ، أَوْ كَانَ أَحَدُ الْبَنِينَ صَغِيرًا، وَقَفَ نَصِيبَهُ مِنْ الْوَقْفِ عَلَيْهِ، وَلَا يُسَلَّمُ إلَى وَلِيِّهِ حَتَّى يَبْلُغَ، فَيَحْلِفَ أَوْ يَمْتَنِعَ؛ لِأَنَّهُ يَتَلَقَّى الْوَقْفَ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ.
فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ لَمْ يَسْتَحِقَّ بِغَيْرِ يَمِينٍ، لِكَوْنِ الْبَنِينَ الْمُسْتَحِقِّينَ مُعْتَرِفِينَ لَهُ بِذَلِكَ، فَيُكْتَفَى بِاعْتِرَافِهِمْ، كَمَا لَوْ كَانَ فِي أَيْدِيهمْ دَارٌ فَاعْتَرَفُوا لَصَغِيرٍ مِنْهَا بِشِرْكٍ، فَإِنَّهُ يُسَلَّمُ إلَى وَلِيِّهِ؟ قُلْنَا: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الدَّارَ الَّتِي فِي أَيْدِيهمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهَا مُنَازِعٌ، وَلَا يُوجَبُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ فِيهَا يَمِينٌ، وَهَذِهِ يُنَازِعُهُمْ فِيهَا الْأَبَوَانِ، وَأَصْحَابُ الدُّيُونِ وَالْوَصَايَا، وَإِنَّمَا يَأْخُذُونَهَا بِأَيْمَانِهِمْ، فَإِذَا أَقَرُّوا بِمُشَارِكٍ لَهُمْ، فَقَدْ اعْتَرَفُوا بِأَنَّهُ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ، لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا بِيَمِينِهِ، كَمَا لَا يَسْتَحِقُّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إلَّا بِالْيَمِينِ. وَيُفَارِقُ مَا إذَا كَانَ الْوَقْفُ مُرَتَّبًا عَلَى بَطْنٍ، بَعْدَ بَطْنٍ، فَإِنَّهُ لَا يُشَارِكُهُمْ أَحَدٌ مِنْ الْبَطْنِ الثَّانِي.
فَإِذَا بَلَغَ الصَّغِيرُ الْمَوْقُوفُ نَصِيبُهُ، فَحَلَفَ، كَانَ لَهُ، وَإِنْ امْتَنَعَ نَظَرْت؛ فَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا حِينَ الدَّعْوَى، أَوْ قَبْلَ حَلِفِهِمْ، كَانَ نَصِيبُهُ مِيرَاثًا، كَمَا لَوْ كَانَ بَالِغًا، فَامْتَنَعَ مِنْ الْيَمِينِ، فَإِنْ حَدَثَ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَثُبُوتِ الْوَقْفِ نَمَاءٌ، كَانَ لَهُ نَصِيبُهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ ثَبَتَ فِي جَمِيعِ الدَّارِ بِأَيْمَانِ الْبَنِينَ، فَلَا يَبْطُلُ بِامْتِنَاعِ مَنْ حَدَثِ، إلَّا أَنَّهُ إنْ أَقَرَّ أَنَّهَا لَيْسَتْ وَقْفًا، وَكَذَّبَ الْبَنِينَ فِي ذَلِكَ، كَانَ نَصِيبُهُ مِنْ الْغَلَّةِ مِيرَاثًا، حُكْمُهُ حُكْمُ نَمَاءِ الْمِيرَاثِ، وَإِنْ لَمْ يُكَذِّبْهُمْ، فَنَصِيبُهُ وَقْفٌ لَهُ.
وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ امْتَنَعَ مِنْ الْيَمِينِ، رُدَّ نَصِيبُهُ إلَى الْأَوْلَادِ الثَّلَاثَةِ، وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ مَنْ كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الدَّعْوَى وَالْحَادِثِ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا بِغَيْرِ يَمِينِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبْطُلَ الْوَقْفُ الثَّابِتُ بِأَيْمَانِهِمْ، فَتَعَيَّنَ رَدُّ نَصِيبِهِ إلَيْهِمْ. وَلَنَا، أَنَّهُ إنْ كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الدَّعْوَى وَحَلِفِهِمْ، فَهُوَ شَرِيكُهُمْ حِينَ يَثْبُتُ الْوَقْفُ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَثْبُتَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute