للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ وَقْفًا عَلَيْهِمْ بِإِقْرَارِهِمْ. وَإِنْ حَلَفَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ كَانَ ثُلُثُ الدَّارِ وَقْفًا عَلَيْهِ، وَالْبَاقِي يَقْضِي مِنْهُ الدَّيْنَ وَمَا فَضَلَ يَكُونُ مِيرَاثًا، فَمَا حَصَلَ لِلِابْنَيْنِ مِنْهُ كَانَ وَقْفًا عَلَيْهِمَا، وَلَا يَرِثُ الْحَالِفُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ يَعْتَرِفُ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ مِنْهَا شَيْئًا سِوَى مَا وُقِفَ عَلَيْهِ. وَإِنْ حَلَفُوا كُلُّهُمْ، فَثَبَتَ الْوَقْفُ عَلَيْهِمْ، لَمْ يَخْلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْوَقْفُ مُرَتَّبًا عَلَى بَطْنٍ، ثُمَّ عَلَى بَطْنٍ بَعْدَ بَطْنٍ أَبَدًا، أَوْ مُشْتَرَكًا، فَإِنْ كَانَ مُرَتَّبًا، فَإِذَا انْقَرَضَ الْأَوْلَادُ الثَّلَاثَةُ، انْتَقَلَ الْوَقْفُ إلَى الْبَطْنِ الثَّانِي، بِغَيْرِ يَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ كَوْنُهُ وَقْفًا بِالشَّاهِدَيْنِ وَيَمِينِ الْأَوْلَادِ، فَلَمْ يَحْتَجْ مِنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ إلَى بَيِّنَةٍ، كَمَا لَوْ ثَبَتَ بِشَاهِدَيْنِ، وَكَالْمَالِ الْمَوْرُوثِ.

وَكَذَلِكَ إذَا انْقَرَضَ الْأَوْلَادُ، وَرَجَعَ إلَى الْمَسَاكِينِ، لَمْ يَحْتَاجُوا فِي ثُبُوتِهِ لَهُمْ إلَى يَمِينٍ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَإِنْ انْقَرَضَ أَحَدُ الْأَوْلَادِ، انْتَقَلَ نَصِيبُهُ مِنْهُ إلَى إخْوَتِهِ، أَوْ إلَى مَنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ انْتِقَالَهُ إلَيْهِ، بِغَيْرِ يَمِينٍ؛ لِمَا ذَكَرْنَا. فَإِنْ امْتَنَعَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ مِنْ الْيَمِينِ، فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ نَصِيبَهُمْ يَكُونُ وَقْفًا عَلَيْهِمْ بِإِقْرَارِهِمْ، فَإِذَا انْقَرَضُوا، كَانَ ذَلِكَ وَقْفًا عَلَى حَسْبِ مَا أَقَرُّوا بِهِ، فَإِنْ كَانَ إقْرَارُهُمْ أَنَّهُ وَقْفٌ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ، فَقَالَ أَوْلَادُهُمْ: نَحْنُ نَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِنَا، لِتَكُونَ جَمِيعُ الدَّارِ وَقْفًا لَنَا. فَلَهُمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ يَنْقُلُونَ الْوَقْفَ مِنْ الْوَاقِفِ، فَلَهُمْ إثْبَاتُهُ كَالْبَطْنِ الْأَوَّلِ.

فَأَمَّا إنْ حَلَفَ أَحَدُ الْبَنِينَ، وَنَكَلَ أَخَوَاهُ، ثُمَّ مَاتَ الْحَالِفُ؛ نَظَرْت، فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ مَوْتِ إخْوَتِهِ، صُرِفَ نُصِيبُهُ إلَى أَوْلَادِهِ، وَجْهًا وَاحِدًا. وَإِنْ مَاتَ فِي حَيَاةِ إخْوَتِهِ، فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ؛ أَحَدُهَا، يَنْصَرِفُ إلَى إخْوَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لِلْبَطْنِ الثَّانِي شَيْءٌ مَعَ بَقَاءِ أَحَدٍ مِنْ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ. وَالثَّانِي، يَنْتَقِلُ إلَى أَوْلَادِهِ؛ لِأَنَّ أَخَوَيْهِ أَسْقَطَا حَقَّهُمَا بِنُكُولِهِمَا، فَصَارَا كَالْمَعْدُومَيْنِ. وَالثَّالِثُ، يُصْرَفُ إلَى أَقْرَبِ عَصَبَةِ الْوَاقِفِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُمْكِنْ صَرْفُهُ إلَى الْأَخَوَيْنِ، وَلَا إلَى الْبَطْنِ الثَّانِي، لِمَا ذَكَرْنَا، فَيُصْرَفُ إلَى أَقْرَبِ عَصَبَةِ الْوَاقِفِ، إلَى أَنْ يَمُوتَ الْأَخَوَانِ، ثُمَّ يَعُودَ إلَى الْبَطْنِ الثَّانِي.

وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْأَخَوَيْنِ لَمْ يُسْقِطَا حُقُوقَهُمَا، وَإِنَّمَا امْتَنَعَا مِنْ إقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ، وَلِذَلِكَ لَوْ اعْتَرَفَ لَهُمَا الْأَبَوَانِ، ثَبَتَ الْوَقْفُ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ، وَهَا هُنَا قَدْ حَصَلَ الِاعْتِرَافُ مِنْ الْبَطْنِ الثَّانِي، فَوَجَبَ أَنْ يَنْصَرِفَ إلَيْهِمَا؛ لِحُصُولِ الِاتِّفَاقِ مِنْ الْجَمِيعِ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِمَا لَهُ. فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا كَانَ الْبَطْنُ الثَّانِي صِغَارًا، فَمَا حَصَلَ الِاعْتِرَافُ مِنْهُمْ. قُلْنَا: قَدْ حَصَلَ الِاعْتِرَافُ مِنْ الْحَالِفِ الَّذِي ثَبَتَتْ الْحُجَّةُ بِيَمِينِهِ، وَبِالْبَيِّنَةِ الَّتِي ثَبَتَ بِهَا الْوَقْفُ، وَبِهَا يَسْتَحِقُّ الْبَطْنُ الثَّانِي، فَاكْتُفِيَ بِذَلِكَ فِي انْتِقَالِهِ إلَى الْأَخَوَيْنِ، كَمَا يُكْتَفَى بِهِ فِي انْتِقَالِهِ إلَى الْبَطْنِ الثَّانِي بَعْدَ انْقِرَاضِ الْأَخَوَيْنِ، وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا، أَنَّنَا اكْتَفَيْنَا بِالْبَيِّنَةِ فِي أَصْلِ الْوَقْفِ، وَفِي كَيْفِيَّتِهِ، وَصِفَتِهِ، وَتَرْتِيبِهِ، فِيمَا عَدَا هَذَا الْمُخْتَلَفَ فِيهِ فَيَجِبُ أَنْ يُكْتَفَى بِهِ فِيهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>