فَرَغْتَ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ فَارْفَعْ يَدَيْكَ قَبْلَ أَنْ تَرْكَعَ، وَادْعُ بِنَا وَنَحْنُ فِي الصَّلَاةِ، وَأَطِلْ الْقِيَامَ. قُلْت: بِمَ أَدْعُو؟ قَالَ: بِمَا شِئْت. قَالَ: فَفَعَلْت بِمَا أَمَرَنِي، وَهُوَ خَلْفِي يَدْعُو قَائِمًا، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، وَقَالَ حَنْبَلٌ: سَمِعْت أَحْمَدَ يَقُولُ فِي خَتْمِ الْقُرْآنِ: إذَا فَرَغْت مِنْ قِرَاءَةِ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: ١] فَارْفَعْ يَدَيْكَ فِي الدُّعَاءِ قَبْلَ الرُّكُوعِ. قُلْت: إلَى أَيِّ شَيْءٍ تَذْهَبُ فِي هَذَا؟ قَالَ: رَأَيْت أَهْلَ مَكَّةَ يَفْعَلُونَهُ، وَكَانَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ يَفْعَلُهُ مَعَهُمْ بِمَكَّةَ.
قَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ: وَكَذَلِكَ أَدْرَكْنَا النَّاسَ بِالْبَصْرَةِ وَبِمَكَّةَ. وَيَرْوِي أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي هَذَا شَيْئًا، وَذُكِرَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ.
[فَصْلٌ فِي قِيَامِ لَيْلَةِ الشَّكِّ]
(١١٠٢) فَصْلٌ: وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي قِيَامِ لَيْلَةِ الشَّكِّ؛ فَحُكِيَ عَنْ الْقَاضِي أَنَّهُ قَالَ: جَرَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي وَقْتِ شَيْخِنَا أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَصَلَّى، وَصَلَّاهَا الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى أَيْضًا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، وَسَنَنْتُ لَكُمْ قِيَامَهُ» فَجَعَلَ الْقِيَامَ مَعَ الصِّيَامِ. وَذَهَبَ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ إلَى تَرْكِ الْقِيَامِ، وَقَالَ: الْمُعَوَّلُ فِي الصِّيَامِ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَفِعْلِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ قِيَامُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ. وَاخْتَارَهُ التَّمِيمِيُّونَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ شَعْبَانَ، وَإِنَّمَا صِرْنَا إلَى الصَّوْمِ احْتِيَاطًا لِلْوَاجِبِ، وَالصَّلَاةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، فَتَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ.
[فَصْلٌ إذَا قَرَأَ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ هَلْ يَقْرَأُ مِنْ الْبَقَرَةِ شَيْئًا]
(١١٠٣) فَصْلٌ: قَالَ أَبُو طَالِبٍ: سَأَلْت أَحْمَدَ إذَا قَرَأَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: ١] يَقْرَأُ مِنْ الْبَقَرَةِ شَيْئًا؟ قَالَ: لَا فَلَمْ يَسْتَحِبَّ أَنْ يَصِلَ خَتْمَتَهُ بِقِرَاءَةِ شَيْءٍ، وَلَعَلَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ عِنْدَهُ أَثَرٌ صَحِيحٌ يَصِيرُ إلَيْهِ. قَالَ أَبُو دَاوُد: وَذَكَرْت لِأَحْمَدَ قَوْلَ ابْنِ الْمُبَارَكِ: إذَا كَانَ الشِّتَاءُ فَاخْتِمْ الْقُرْآنَ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَإِذَا كَانَ الصَّيْفُ فَاخْتِمْهُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ. فَكَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ. وَذَلِكَ، لِمَا رُوِيَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، قَالَ: أَدْرَكْتُ أَهْلَ الْخَيْرِ مِنْ صَدْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَسْتَحِبُّونَ الْخَتْمَ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَفِي أَوَّلِ النَّهَارِ، يَقُولُونَ: إذَا خَتَمَ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى يُصْبِحَ، وَإِذَا خَتَمَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى يُمْسِيَ.
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْعَلَ خَتْمَةَ النَّهَارِ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَهُمَا، وَخَتْمَةَ اللَّيْلِ فِي رَكْعَتَيْ الْمَغْرِبِ أَوْ بَعْدَهُمَا، يَسْتَقْبِلُ بِخَتْمِهِ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَأَوَّلَ النَّهَارِ.
[فَصْلٌ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْمَعَ أَهْلَهُ عِنْدَ خَتْمِ الْقُرْآنِ وَغَيْرَهُمْ لِحُضُورِ الدُّعَاءِ]
(١١٠٤) فَصْلٌ:: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْمَعَ أَهْلَهُ عِنْدَ خَتْمِ الْقُرْآنِ وَغَيْرَهُمْ؛ لِحُضُورِ الدُّعَاءِ. قَالَ أَحْمَدُ: كَانَ أَنَسٌ إذَا خَتَمَ الْقُرْآنَ جَمَعَ أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ. وَرَوَاهُ ابْنُ شَاهِينَ مَرْفُوعًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute