تَجِبُ عَلَى مَنْ وَطِئَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي أَدَائِهَا، فَوَجَبَتْ فِي قَضَائِهَا، كَالْحَجِّ.
وَلَنَا أَنَّهُ جَامَعَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ، فَلَمْ تَلْزَمْهُ كَفَّارَةٌ، كَمَا لَوْ جَامَعَ فِي صِيَامِ الْكَفَّارَةِ، وَيُفَارِقُ الْقَضَاءُ الْأَدَاءَ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَيِّنٌ بِزَمَانٍ مُحْتَرَمٍ، فَالْجِمَاعُ فِيهِ هَتْكٌ لَهُ، بِخِلَافِ الْقَضَاءِ.
[فَصْلٌ جَامَعَ الصَّائِم فِي أَوَّلِ النَّهَارِ ثُمَّ مَرِضَ أَوْ جُنَّ أَوْ كَانَتْ امْرَأَةً فَحَاضَتْ أَوْ نَفِسَتْ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ]
(٢٠٦٠) فَصْلٌ: وَإِذَا جَامَعَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، ثُمَّ مَرِضَ أَوْ جُنَّ، أَوْ كَانَتْ امْرَأَةً فَحَاضَتْ أَوْ نُفِسَتْ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ، لَمْ تَسْقُطْ الْكَفَّارَةُ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، وَابْنُ الْمَاجِشُونِ، وَإِسْحَاقُ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمْ. وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ. وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ صَوْمَ هَذَا الْيَوْمِ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ مُسْتَحَقًّا، فَلَمْ يَجِبْ بِالْوَطْءِ فِيهِ كَفَّارَةٌ، كَصَوْمِ الْمُسَافِرِ، أَوْ كَمَا لَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ مِنْ شَوَّالٍ.
وَلَنَا: أَنَّهُ مَعْنًى طَرَأَ بَعْدَ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، فَلَمْ يُسْقِطْهَا، كَالسَّفَرِ، وَلِأَنَّهُ أَفْسَدَ صَوْمًا وَاجِبًا فِي رَمَضَانَ بِجِمَاعٍ تَامٍّ، فَاسْتَقَرَّتْ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَطْرَأْ عُذْرٌ، وَالْوَطْءُ فِي صَوْمِ الْمُسَافِرِ مَمْنُوعٌ، وَإِنْ سَلِمَ فَالْوَطْءُ ثَمَّ لَمْ يُوجِبْ أَصْلًا، لِأَنَّهُ وَطْءٌ مُبَاحٌ، فِي سَفَرٍ أُبِيحَ الْفِطْرُ فِيهِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا، وَكَذَا إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ شَوَّالٍ، فَإِنَّ الْوَطْءَ غَيْرُ مُوجِبٍ، لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّ الْوَطْءَ لَمْ يُصَادِفْ رَمَضَانَ، وَالْمُوجِبُ إنَّمَا هُوَ الْوَطْءُ الْمُفْسِدُ لِصَوْمِ رَمَضَانَ.
[فَصْلُ طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ فِي الصَّوْم]
(٢٠٦١) فَصْلٌ: إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ، فَاسْتَدَامَ الْجِمَاعَ، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجِبُ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ وَطْأَهُ لَمْ يُصَادِفْ صَوْمًا صَحِيحًا، فَلَمْ يُوجِبْ الْكَفَّارَةَ، كَمَا لَوْ تَرَكَ النِّيَّةَ وَجَامَعَ.
وَلَنَا أَنَّهُ تَرَكَ صَوْمَ رَمَضَانَ بِجِمَاعٍ أَثِمَ بِهِ لِحُرْمَةِ الصَّوْمِ، فَوَجَبَتْ بِهِ الْكَفَّارَةُ، كَمَا لَوْ وَطِئَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَعَكْسُهُ إذَا لَمْ يَنْوِ، فَإِنَّهُ يَتْرُكُهُ لِتَرْكِ النِّيَّةِ لَا الْجِمَاعِ، وَلَنَا فِيهِ مَنْعٌ أَيْضًا. وَأَمَّا إنْ نَزَعَ فِي الْحَالِ مَعَ أَوَّلِ طُلُوعِ الْفَجْرِ، فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ. وَالْقَاضِي: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ النَّزْعَ جِمَاعٌ يَلْتَذُّ بِهِ، فَتَعَلَّقَ بِهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالِاسْتِدَامَةِ، كَالْإِيلَاجِ. وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ تَرْكٌ لِلْجِمَاعِ، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا وَهُوَ فِيهَا، فَخَرَجَ مِنْهَا، كَذَلِكَ هَاهُنَا. وَقَالَ مَالِكٌ: يَبْطُلُ صَوْمُهُ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَكْثَرَ مِمَّا فَعَلَهُ فِي تَرْكِ الْجِمَاعِ، فَأَشْبَهَ الْمُكْرَهَ.
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَقْرُبُ مِنْ الِاسْتِحَالَةِ، إذْ لَا يَكَادُ يَعْلَمُ أَوَّلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ عَلَى وَجْهٍ يَتَعَقَّبُهُ النَّزْعُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَهُ شَيْءٌ مِنْ الْجِمَاعِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى فَرْضِهَا، وَالْكَلَامِ فِيهَا.