وَعُثْمَانَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْخُلَفَاءِ، فَلَمْ أَرَهُمْ يَضْرِبُونَ الْمَمْلُوكَ إذَا قَذَفَ إلَّا أَرْبَعِينَ. وَرَوَى خِلَاسٌ، أَنَّ عَلِيًّا قَالَ فِي عَبْدٍ قَذَفَ حُرًّا: نِصْفُ الْجَلْدِ. وَجَلَدَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَبْدًا قَذَفَ حُرًّا ثَمَانِينَ. وَبِهِ قَالَ قَبِيصَةُ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَلَعَلَّهمْ ذَهَبُوا إلَى عُمُومِ الْآيَةِ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِلْإِجْمَاعِ الْمَنْقُولِ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؛ وَلِأَنَّهُ حَدٌّ يَتَبَعَّضُ، فَكَانَ الْعَبْدُ فِيهِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْحُرِّ، كَحَدِّ الزِّنَا، وَهُوَ يَخُصُّ عُمُومَ الْآيَةِ، وَقَدْ عِيبَ عَلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ جَلْدُهُ الْعَبْدَ ثَمَانِينَ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ: مَا رَأَيْنَا أَحَدًا قَبْلَهُ جَلَدَ الْعَبْدَ ثَمَانِينَ.
وَقَالَ سَعِيدٌ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَضَرْت عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، جَلَدَ عَبْدًا ثَمَانِينَ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ مَنْ حَضَرَهُ مِنْ النَّاسِ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْفُقَهَاءِ، فَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ: إنِّي رَأَيْت وَاَللَّهِ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، مَا رَأَيْت أَحَدًا جَلَدَ عَبْدًا فِي فِرْيَةٍ فَوْقَ أَرْبَعِينَ. إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ أَرْبَعُونَ، فَإِنَّهُ يَكُونُ بِأَدْوَنَ مِنْ السَّوْطِ الَّذِي يُجْلَدُ بِهِ الْحُرُّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا خُفِّفَ فِي قَدْرِهِ، خُفِّفَ فِي سَوْطِهِ، كَمَا أَنَّ الْحُدُودَ فِي أَنْفُسِهَا كَمَا قَلَّ مِنْهَا، كَانَ سَوْطُهُ أَخَفَّ، فَالْجَلْدُ فِي الشُّرْبِ أَخَفُّ مِنْهُ فِي الْقَذْفِ، وَفِي الْقَذْفِ أَخَفُّ مِنْهُ فِي الزِّنَا. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُسَاوِيَ الْعَبْدُ الْحُرَّ فِي السَّوْطِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى النِّصْفِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ التَّنْصِيفُ إلَّا مَعَ الْمُسَاوَاةِ فِي السَّوْطِ.
[فَصْلٌ قَذَفَ وَلَدَهُ وَإِنْ نَزَلَ]
(٧٢١٦) فَصْلٌ: وَإِذَا قَذَفَ وَلَدَهُ، وَإِنْ نَزَلَ، لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْقَاذِفُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً. وَبِهَذَا قَالَ عَطَاءٌ، وَالْحَسَنُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمَالِكٌ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ: عَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِعُمُومِ الْآيَةِ؛ وَلِأَنَّهُ حَدٌّ، فَلَا تَمْنَعُ مِنْ وُجُوبِهِ قَرَابَةُ الْوِلَادَةِ، كَالزِّنَا. وَلَنَا أَنَّهُ عُقُوبَةٌ تَجِبُ حَقًّا لِآدَمِيٍّ، فَلَا يَجِبُ لِلْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ، كَالْقِصَاصِ، أَوْ نَقُولُ: إنَّهُ حَقٌّ لَا يُسْتَوْفَى إلَّا بِالْمُطَالَبَةِ بِاسْتِيفَائِهِ، فَأَشْبَهَ الْقِصَاصَ. وَلِأَنَّ الْحَدَّ يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، فَلَا يَجِبُ لِلِابْنِ عَلَى أَبِيهِ كَالْقِصَاصِ؛ وَلِأَنَّ الْأُبُوَّةَ مَعْنًى يُسْقِطُ الْقِصَاصَ، فَمَنَعَتْ الْحَدَّ، كَالرِّقِّ وَالْكُفْرِ، وَهَذَا يَخُصُّ عُمُومَ الْآيَةِ. وَمَا ذَكَرُوهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute