الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَلَا فَرْقَ فِيمَا ذَكَرْنَا بَيْنَ الْبُنْيَانِ وَالصَّحَارِي. وَعَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا هَذَا فِي الصَّحَارِي وَالْبَرِّيَّةِ، دُونَ الْبُنْيَانِ. يَعْنِي أَنَّ الْبُنْيَانَ إذَا كَانَ فِيهِ الْمَاءُ فَلَيْسَ لَأَحَدٍ الدُّخُولُ إلَيْهِ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ.
[فَصْلٌ بَذْلُ فَضْلِ مَائِهِ لِزَرْعِ غَيْرِهِ]
(٣١٨٩) فَصْلٌ: وَهَلْ يَلْزَمُهُ بَذْلُ فَضْلِ مَائِهِ لِزَرْعِ غَيْرِهِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، لَا يَلْزَمُهُ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ لَا حُرْمَةَ لَهُ فِي نَفْسِهِ، وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَى صَاحِبِهِ سَقْيُهُ، بِخِلَافِ الْمَاشِيَةِ. وَالثَّانِيَةُ يَلْزَمُهُ بَذْلُهُ لِذَلِكَ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، «أَنَّ قَيِّمَ أَرْضِهِ بِالْوَهْطِ كَتَبَ إلَيْهِ، يُخْبِرُهُ أَنَّهُ قَدْ سَقَى أَرْضَهُ، وَفَضَلَ لَهُ مِنْ الْمَاءِ فَضْلٌ يُطْلَبُ بِثَلَاثِينَ أَلْفًا. فَكَتَبَ إلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو؛ أَقِمْ قِلْدَكَ، ثُمَّ اسْقِ الْأَدْنَى فَالْأَدْنَى، فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَى عَنْ بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ» . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْقِلْدُ يَوْمُ الشُّرْبِ. وَفِي " الْمُسْنَدِ "، حَدَّثَنَا حَسَنٌ، قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ» . وَرَوَى إيَاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُمْنَعَ فَضْلُ الْمَاءِ.» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَفِي لَفْظٍ: «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ.» وَلِأَنَّ فِي مَنْعِهِ فَضْلَ الْمَاءِ إهْلَاكَهُ، فَحَرُمَ مَنْعُهُ كَالْمَاشِيَةِ. وَقَوْلُهُمْ: لَا حُرْمَةَ لَهُ. قُلْنَا: فَلِصَاحِبِهِ حُرْمَةٌ، فَلَا يَجُوزُ التَّسَبُّبُ إلَى إهْلَاكِ مَالِهِ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُمْنَعَ نَفْيُ الْحُرْمَةِ عَنْهُ، فَإِنَّ إضَاعَةَ الْمَالِ مَنْهِيٌّ عَنْهَا، وَإِتْلَافَهُ مُحَرَّمٌ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى حُرْمَتِهِ.
[فَصْلٌ اشْتَرَى عَبْدًا بِمِائَةِ فَقَضَاهَا عَنْهُ غَيْرُهُ]
(٣١٩٠) فَصْلٌ: وَإِذَا اشْتَرَى عَبْدًا بِمِائَةٍ فَقَضَاهَا عَنْهُ غَيْرُهُ، صَحَّ، سَوَاءٌ قَضَاهُ بِأَمْرِهِ أَوْ غَيْرِ أَمْرِهِ. فَإِنْ بَانَ الْعَبْدُ مُسْتَحِقًّا، لَزِمَ رَدُّ الْمِائَةِ إلَى دَافِعِهَا؛ لِأَنَّنَا تَبَيَّنَّا أَنَّهُ قَبْضٌ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ، فَكَأَنَّ الْمِائَةَ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ يَدِ دَافِعِهَا. وَإِنْ بَانَ الْعَبْدُ مَعِيبًا، فَرَدَّهُ بِالْعَيْبِ، أَوْ بِإِقَالَةِ، أَوْ أَصْدَقَ امْرَأَةَ إنْسَانٍ شَيْئًا، فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ دُخُولِهِ بِهَا، أَوْ ارْتَدَّتْ، فَهَلْ يَلْزَمُ رَدُّ الْمِائَةِ إلَى دَافِعِهَا أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي وَالزَّوْجِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، عَلَى الدَّافِعِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ حَصَلَ مِنْهُ، فَالرَّدُّ عَلَيْهِ، كَاَلَّتِي قَبْلَهَا.
وَالثَّانِي، عَلَى الزَّوْجِ وَالْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ قَضَاءَهُ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ لَهُمَا، بِدَلِيلِ بَرَاءَةِ ذِمَّتِهَا مِنْهُ، وَالْهِبَةُ الْمَقْبُوضَةُ لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهَا. وَإِنْ كَانَ الدَّفْعُ بِإِذْنِ الْمُشْتَرِي وَالزَّوْجِ، احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِيهِ كَمَا لَوْ قَضَاهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، إذَا كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّعِ عَلَيْهِ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ رَدُّهُ عَلَى الزَّوْجِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute