قَبْلَ الْقَلْعِ. لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ بِنَاءَ الْمُفْلِسِ وَغَرْسَهُ فِي مِلْكِهِ، فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَى بَيْعِهِ لِهَذَا الْبَائِعِ، وَلَا عَلَى قَلْعِهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَرْجِعْ فِي الْأَرْضِ. فَأَمَّا إنْ امْتَنَعَ الْبَائِعُ مِنْ بَذْلِ ذَلِكَ، سَقَطَ حَقُّ الرُّجُوعِ. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ حَامِدٍ، وَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَحْتَمِلُ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ. وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي لِلشَّافِعِي؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ، وَفِيهِ مَالُ الْمُشْتَرِي عَلَى وَجْهِ التَّبَعِ، فَلَمْ يَمْنَعْهُ ذَلِكَ الرُّجُوعَ، كَالثَّوْبِ إذَا صَبَغَهُ الْمُشْتَرِي
وَلَنَا، أَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ مَتَاعَهُ عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُهُ أَخْذُهُ مُنْفَرِدًا عَنْ غَيْرِهِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُهُ، كَالْحَجَرِ فِي الْبِنَاءِ، وَالْمَسَامِيرِ فِي الْبَابِ، وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا عَلَى الْمُشْتَرِي وَالْغُرَمَاءِ، وَلَا يُزَالُ الضَّرَرِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِالرُّجُوعِ هَاهُنَا انْقِطَاعُ النِّزَاعِ وَالْخُصُومَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَجَدَهَا غَيْر مَشْغُولَةٍ بِشَيْءِ. وَأَمَّا الثَّوْبُ إذَا صَبَغَهُ، فَلَا نُسَلَّمُ لَهُ الرُّجُوعَ، فَهُوَ كَمَسْأَلَتِنَا، فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنَّ الصَّبْغَ تَقَرَّرَ فِي الثَّوْبِ، فَصَارَ كَالصِّفَةِ فِيهِ، بِخِلَافِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ، فَإِنَّهُ أَعْيَانٌ مُتَمَيِّزَةٌ، وَأَصْلٌ فِي نَفْسِهِ. وَالثَّانِي، أَنَّ الثَّوْبَ لَا يُرَادُ لِلْبَقَاءِ، بِخِلَافِ الْأَرْضِ وَالْبِنَاءِ، فَإِذَا قُلْنَا: لَا يَرْجِعُ. فَلَا كَلَامَ. وَإِنْ قُلْنَا: يَرْجِعُ. فَرَجَعَ، وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى بَيْعِهِمَا، بِيعَا لَهُمَا، وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ بِقَدْرِ حَقِّهِ
وَإِنْ امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْبَيْعِ، احْتَمَلَ أَنْ يُجْبَرَ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ ثَوْبًا، فَصَبَغَهُ الْمُشْتَرِي، فَإِنَّ الثَّوْبَ يُبَاعُ لَهُمَا، كَذَا هَاهُنَا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُجْبَرَ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ طَالِبُ الْبَيْعِ أَنْ يَبِيعَ مِلْكَهُ مُفْرَدًا، بِخِلَافِ الثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ، فَإِنْ بِيعَا لَهُمَا، قَسَمَا الثَّمَنَ عَلَى قَدْرِ الْقِيمَتَيْنِ، فَتُقَوَّمُ الْأَرْضُ غَيْرَ ذَاتِ شَجَرٍ وَلَا بِنَاءٍ، ثُمَّ تُقَوَّمُ وَهُمَا فِيهَا، فَمَا كَانَ قِيمَةَ الْأَرْضِ بِغَيْرِ غِرَاسٍ وَلَا بِنَاءٍ، فَلِلْبَائِعِ قِسْطُهُ مِنْ الثَّمَنِ، وَمَا زَادَ فَهُوَ لِلْمُفْلِسِ وَالْغُرَمَاءِ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ عَلَى الْبَيْعِ. أَوْ لَمْ يَطْلُبْ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ
فَاتَّفَقَا عَلَى كَيْفِيَّةِ كَوْنِهِمَا بَيْنَهُمَا، جَازَ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا، كَانَتْ الْأَرْضُ لِلْبَائِعِ، وَالْغِرَاسُ وَالْبِنَاءُ لِلْمُفْلِسِ وَالْغُرَمَاءِ، وَلَهُمْ دُخُولُ الْأَرْضِ لِسَقْيِ الشَّجَرِ وَأَخْذِ الثَّمَرَةِ، وَلَيْسَ لَهُمْ دُخُولُهَا لِلتَّفَرُّجِ وَلِغَيْرِ حَاجَةٍ، وَلِلْبَائِعِ دُخُولُهَا لِلزَّرْعِ، وَلَمَّا شَاءَ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لَهُ وَمِلْكُهُ. وَإِنْ بَاعُوا الشَّجَرَ وَالْبِنَاءَ لَإِنْسَانٍ، فَحُكْمُهُ فِي ذَلِكَ حُكْمُهُمْ. وَلَوْ بَذَلَ الْمُفْلِسُ وَالْغُرَمَاءُ، أَوْ الْمُشْتَرِي مِنْهُمْ، قِيمَةَ الْأَرْضِ لِلْبَائِعِ، لِيَدْفَعهَا لَهُمْ، لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ أَصْلٌ، فَلَا يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهَا، بِخِلَافِ مَا فِيهَا مِنْ الْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ.
[فَصْلٌ اشْتَرَى غِرَاسًا فَغَرَسَهُ فِي أَرْضِهِ ثُمَّ أَفْلَسَ]
(٣٤٣٢) فَصْلٌ: إذَا اشْتَرَى غِرَاسًا، فَغَرَسَهُ فِي أَرْضِهِ، ثُمَّ أَفْلَسَ، وَلَمْ يَزِدْ الْغِرَاسُ، فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ. وَإِذَا أَخَذَهُ، فَعَلَيْهِ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ، وَأَرْشُ نَقْصِهَا الْحَاصِلُ بِقِلْعِهِ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ حَصَلَ لِتَخْلِيصِ مِلْكِهِ مِنْ مِلْكِ غَيْره. وَإِنْ بَذَلَ الْمُفْلِسُ وَالْغُرَمَاءُ لَهُ قِيمَتَهُ، لِيَمْلِكُوهُ بِذَلِكَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute