لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا يُرْوَيَانِ عَنْ عُمَرَ، وَلَكِنْ لَا أَدْرِي أَيَّ الْإِسْنَادَيْنِ أَقْوَى.
وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ، وَقَالَ فِي الْمُقْنِعِ: الْفِدْيَةُ غُرَّةٌ بِغُرَّةٍ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ أَوْ الْقِيمَةِ، وَأَيُّهُمَا أَعْطَى أَجْزَأَهُ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ تَرَدَّدَ بَيْنَ الْجَنِينِ الَّذِي يُضْمَنُ بِغُرَّةٍ، وَبَيْنَ إلْحَاقِهِ بِغَيْرِهِ مِنْ الْمَضْمُونَاتِ، فَاقْتَضَى التَّخْيِيرَ بَيْنَهُمَا.
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ، كَسَائِرِ الْمَضْمُونَاتِ الْمُتَقَوَّمَاتِ. وَقَوْلُ عُمَرَ قَدْ اُخْتُلِفَ عَنْهُ فِيهِ، قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُمْ مِثْلَ قَوْلِ عُمَرَ وَإِذَا تَعَارَضَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْهُ، وَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى الْقِيَاسِ. (٥٢٦٢) الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فِي مَنْ يُضْمَنُ مِنْهُمْ، وَهُوَ مَنْ وُلِدَ حَيًّا لِوَقْتٍ يَعِيشُ لِمِثْلِهِ، سَوَاءٌ عَاشَ أَوْ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَالَ مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا ضَمَانَ عَلَى الْأَبِ لِمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ قَبْلَ الْخُصُومَةِ. وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى وَقْتِ الضَّمَانِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ
فَأَمَّا السُّقْطُ، وَمَنْ وُلِدَ لِوَقْتٍ لَا يَعِيشُ لِمِثْلِهِ، وَهُوَ دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَلَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ. (٥٢٦٣)
[فَصْلٌ كَانَ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْإِمَاءِ وَقَدْ نَكَحَهَا نِكَاحًا صَحِيحًا]
الْفَصْلُ الرَّابِعُ: فِي الْمَهْرِ، وَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْإِمَاءِ أَوْ لَا؛ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْإِمَاءِ، وَقَدْ نَكَحَهَا نِكَاحًا صَحِيحًا، فَلَهَا الْمُسَمَّى، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَاخْتَارَ الْفَسْخَ، فَلَا مَهْرَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ تَعَذَّرَ مِنْ جِهَتِهَا، فَهِيَ كَالْمَعِيبَةِ يُفْسَخُ نِكَاحُهَا. وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْإِمَاءِ، فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ مِنْ أَصْلِهِ، وَلَا مَهْرَ فِيهِ قَبْلَ الدُّخُولِ. فَإِنْ دَخَلَ بِهَا، فَعَلَيْهِ مَهْرُهَا. وَهَلْ يَجِبُ الْمُسَمَّى أَوْ مَهْرُ الْمِثْلِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، ذَكَرْنَاهُمَا فِيمَا مَضَى. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْإِمَاءِ، لَكِنْ تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهَا، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَفْسُدُ بِهِ النِّكَاحُ.
[فَصْلٌ يَرْجِعُ بِمَا غَرِمَهُ عَلَى مَنْ غَرَّهُ فِي الْمَهْرِ وَقِيمَةِ الْأَوْلَادِ]
(٥٢٦٤) الْفَصْلُ الْخَامِسُ: أَنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا غَرِمَهُ عَلَى مَنْ غَرَّهُ، فِي الْمَهْرِ وَقِيمَةُ الْأَوْلَادِ. وَهَذَا اخْتَارَهُ الْخِرَقِيِّ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ كَذَلِكَ قَضَى عُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ. وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى: لَا يَرْجِعُ بِالْمَهْرِ. وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ فِي مُقَابَلَةِ نَفْعٌ وَصَلَ إلَيْهِ وَهُوَ الْوَطْءُ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِهِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى مَغْصُوبًا فَأَكَلَهُ، بِخِلَافِ قِيمَةِ الْوَلَدِ، فَإِنَّهَا لَمْ تَحْصُلْ فِي مُقَابَلَةِ عِوَضٍ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِحُرِّيَّةِ الْوَلَدِ، وَحُرِّيَّةُ الْوَلَدِ لِلْوَلَدِ لَا لِأَبِيهِ.
قَالَ الْقَاضِي: وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالْمَهْرِ؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ قَالَ: كُنْت أَذْهَبُ إلَى حَدِيثِ عَلِيٍّ، ثُمَّ كَأَنِّي هِبْته، وَكَأَنَّى أَمِيلُ إلَى حَدِيثِ عُمَرَ يَعْنِي فِي الرُّجُوعِ. وَلِأَنَّ الْعَاقِدَ ضَمِنَ لَهُ سَلَامَةَ الْوَطْءِ، كَمَا ضَمِنَ لَهُ سَلَامَةَ الْوَلَدِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute