وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَالثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: يَضْمَنُهُمْ بِقِيمَتِهِمْ يَوْمَ الْخُصُومَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَضْمَنُهُمْ بِالْمَنْعِ، وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ إلَّا حَالَ الْخُصُومَةِ. وَلَنَا أَنَّهُ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ عِنْدَ الْوَضْعِ، فَوَجَبَ أَنْ يَضْمَنَهُ؛ لِأَنَّهُ فَاتَ رِقُّهُ مِنْ حِينَئِذٍ؛ وَلِأَنَّ الْقِيمَةَ الَّتِي تَزِيدُ بَعْدَ الْوَضْعِ، لَمْ تَكُنْ مَمْلُوكَةً لِمَالِكِ الْأَمَةِ، فَلَمْ يَضْمَنْهَا، كَمَا بَعْدَ الْخُصُومَةِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ كَانَ مَحْكُومًا بِحُرِّيَّتِهِ، وَهُوَ جَنِينٌ. قُلْنَا: إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُمْكِنْ تَضْمِينُهُ حِينَئِذٍ، لِعَدَمِ قِيمَتِهِ وَالِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ، فَأَوْجَبْنَا ضَمَانَهُ فِي أَوَّلِ حَالٍ يُمْكِنُ تَضْمِينُهُ، وَهُوَ حَالُ الْوَضْعِ.
(٥٢٦١) فِي صِفَةِ الْفِدَاءِ، وَفِيهَا ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ؛ إحْدَاهُنَّ بِقِيمَتِهِمْ. وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا مِنْ عَبْدٍ، قُوِّمَ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ.» وَلِأَنَّ الْحَيَوَانَ مِنْ الْمُتَقَوَّمَاتِ، لَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، فَيَجِبُ ضَمَانُهُ بِقِيمَتِهِ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ. وَالثَّانِيَةُ: يَضْمَنُهُمْ بِمِثْلِهِمْ عَبِيدًا، الذَّكَرُ بِذَكَرٍ، وَالْأُنْثَى بِأُنْثَى؛ لِمَا رَوَى سَعِيدُ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: أَبَقَتْ جَارِيَةٌ لِرَجُلٍ مِنْ الْعَرَبِ، وَانْتَمَتْ إلَى بَعْضِ الْعَرَبِ، فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ، ثُمَّ إنَّ سَيِّدَهَا دَبَّ، فَاسْتَاقَهَا وَاسْتَاقَ وَلَدَهَا، فَاخْتَصَمُوا إلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَضَى لِلْعُذْرِيِّ بِفِدَاءِ وَلَدِهِ بِغُرَّةٍ، غُرَّةٌ مَكَانَ كُلِّ غُلَامٍ، وَمَكَانَ كُلِّ جَارِيَةٍ بِجَارِيَةٍ، وَكَانَ عُمَرُ يُقَوِّمُ الْغُرَّةَ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى وَمَنْ لَمْ يَجِدْ غُرَّةً سِتِّينَ دِينَارًا.
وَلِأَنَّ وَلَدَ الْمَغْرُورِ حُرٌّ، فَلَا يُضْمَنُ بِقِيمَتِهِ كَسَائِرِ الْأَحْرَارِ. فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ إلَى مِثْلِهِمْ فِي الصِّفَاتِ تَقْرِيبًا؛ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ لَيْسَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجِبَ مِثْلُهُمْ فِي الْقِيمَةِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ. وَالثَّالِثَةُ: هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ فِدَائِهِمْ بِمِثْلِهِمْ أَوْ قِيمَتِهِمْ. قَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ: إمَّا الْقِيمَةُ أَوْ رَأْسٌ بِرَأْسٍ؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute