للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مَسْأَلَةُ حَالَ دُونَ مَنْظَرِ الْهِلَالِ غَيْمٌ أَوْ قَتِّرْ]

(٢٠٠٣) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِنْ حَالَ دُونَ مَنْظَرِهِ غَيْمٌ، أَوْ قَتَرٌ وَجَبَ صِيَامُهُ، وَقَدْ أَجْزَأَ إذَا كَانَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ) اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَرُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ مَا نَقَلَ الْخِرَقِيِّ، اخْتَارَهَا أَكْثَرُ شُيُوخِ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ، وَابْنِهِ، وَعَمْرِو بْن الْعَاصِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَنَسٍ، وَمُعَاوِيَةَ، وَعَائِشَةَ، وَأَسْمَاءَ بِنْتَيْ أَبِي بَكْرٍ، وَبِهِ قَالَ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَمُطَرِّفٌ، وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ، وَطَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ النَّاسَ تَبَعٌ لِلْإِمَامِ، فَإِنْ صَامَ صَامُوا، وَإِنْ أَفْطَرَ أَفْطَرُوا.

وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ، وَالْفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ، وَالْأَضْحَى يَوْمَ تُضَحُّونَ» . قِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ الصَّوْمَ وَالْفِطْرَ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَمُعْظَمِ النَّاسِ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: لَا يَجِبُ صَوْمُهُ، وَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ رَمَضَانَ إنْ صَامَهُ. وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ ثَلَاثِينَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَهَذَا يَوْمُ شَكٍّ. وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ شَعْبَانَ، فَلَا يُنْتَقَلُ عَنْهُ بِالشَّكِّ. وَلَنَا مَا رَوَى نَافِعٌ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ، فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ. وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» . قَالَ نَافِعٌ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إذَا مَضَى مِنْ شَعْبَانَ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا، بَعَثَ مَنْ يَنْظُرُ لَهُ الْهِلَالَ، فَإِنْ رَأَى فَذَاكَ، وَإِنْ لَمْ يَرَ وَلَمْ يَحُلْ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ وَلَا قَتَرٌ أَصْبَحَ مُفْطِرًا، وَإِنْ حَالَ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ أَوْ قَتَرٌ أَصْبَحَ صَائِمًا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

وَمَعْنَى اُقْدُرُوا لَهُ: أَيْ ضَيَّقُوا لَهُ الْعَدَدَ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطلاق: ٧] . أَيْ ضُيِّقَ عَلَيْهِ. وَقَوْلِهِ: {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [الرعد: ٢٦] . وَالتَّضْيِيقُ لَهُ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>