[فَصْلٌ أَقَلُّ سِنّ الْحَيْضِ لِلْمَرْأَةِ الْمُعْتَدَّة]
(٦٣١٥) فَصْلٌ: وَأَقَلُّ سِنٍّ تَحِيضُ فِيهِ الْمَرْأَةُ تِسْعُ سِنِينَ؛ لِأَنَّ الْمَرْجِعَ فِيهِ إلَى الْوُجُودِ، وَقَدْ وُجِدَ مَنْ تَحِيضُ لِتِسْعٍ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْت جَدَّةً لَهَا إحْدَى وَعِشْرُونَ سَنَةً. فَهَذِهِ إذَا أَسْقَطْتَ مِنْ عُمْرِهَا مُدَّةَ الْحَمْلَيْنِ فِي الْغَالِبِ عَامًا وَنِصْفًا، وَقَسَمْت الْبَاقِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ ابْنَتِهَا، كَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا قَدْ حَلَمَتْ لِدُونِ عَشْرِ سِنِينَ. فَإِنْ رَأَتْ دَمًا قَبْلَ ذَلِكَ، فَلَيْسَ بِحَيْضٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِثْلُهَا مُتَكَرِّرًا، وَالْمُعْتَبَرُ مِنْ ذَلِكَ مَا تَكَرَّرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي حَالِ الصِّحَّةِ، وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ، فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ. (٦٣١٦) فَصْلٌ: فَإِنْ بَلَغَتْ سِنًّا تَحِيضُ فِيهِ النِّسَاءُ فِي الْغَالِبِ، فَلَمْ تَحِضْ، كَخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ، فِي ظَاهِرِ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَضَعَّفَ أَبُو بَكْرٍ الرِّوَايَةَ الْمُخَالِفَةَ لِهَذَا، وَقَالَ: رَوَاهَا أَبُو طَالِبٍ فَخَالَفَ فِيهَا أَصْحَابَهُ، وَذَلِكَ مَا رَوَى أَبُو طَالِبٍ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهَا تَعْتَدُّ سَنَةً. قَالَ الْقَاضِي: هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ مَتَى أَتَى عَلَيْهَا زَمَانُ الْحَيْضِ فَلَمْ تَحِضْ، صَارَتْ مُرْتَابَةً، يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِهَا حَمْلٌ مَنَعَ حَيْضَهَا، فَيَجِبُ أَنْ تَعْتَدَّ بِسَنَةٍ، كَاَلَّتِي ارْتَفَعَ حَيْضُهَا بَعْدَ وُجُودِهِ.
وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: ٤] وَهَذِهِ مِنْ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ، وَلِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِحَالِ الْمُعْتَدَّةِ، لَا بِحَالِ غَيْرِهَا، وَلِهَذَا لَوْ حَاضَتْ قَبْلَ بُلُوغِ سِنٍّ يَحِيضُ لِمِثْلِهِ النِّسَاءُ فِي الْغَالِبِ، مِثْلُ أَنْ تَحِيضَ وَلَهَا عَشْرُ سِنِينَ، اعْتَدَّتْ بِالْحَيْضِ، وَفَارَقَ مَنْ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا وَلَا تَدْرِي مَا رَفَعَهُ؛ فَإِنَّهَا مِنْ ذَوَات الْقُرُوءِ، وَهَذِهِ لَمْ تَكُنْ مِنْهُنَّ.
[مَسْأَلَة طَلَّقَهَا طَلَاقًا يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ وَهِيَ أَمَةٌ]
مَسْأَلَةٌ قَالَ: وَإِذَا طَلَّقَهَا طَلَاقًا يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ، وَهِيَ أَمَةٌ، فَلَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا حَتَّى أُعْتِقَتْ، بَنَتْ عَلَى عِدَّةِ حُرَّةٍ. وَإِنْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا لَا يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ، فَأُعْتِقَتْ، اعْتَدَّتْ عِدَّةَ أَمَةٍ هَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ وَالشَّعْبِيِّ وَالضَّحَّاكِ وَإِسْحَاقَ وَأَصْحَابِ الرَّأْي. وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالِ. الشَّافِعِيِّ وَالْقَوْلُ الثَّانِي، تُكْمِلُ عِدَّةَ أَمَةٍ، سَوَاءٌ كَانَتْ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيَّةً. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي ثَوْرٍ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ طَرَأَتْ بَعْدَ وُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا، فَلَا يُعْتَبَرُ حُكْمُهَا، كَمَا لَوْ كَانَتْ بَائِنًا. أَوْ كَمَا لَوْ طَرَأَتْ بَعْدَ وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ، وَلِأَنَّهُ مَعْنًى يَخْتَلِفُ بِالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، فَكَانَ الِاعْتِبَارُ بِحَالَةِ الْوُجُوبِ، كَالْحَدِّ.
وَقَالَ عَطَاءٌ وَالزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ تَبْنِي عَلَى عِدَّةِ حُرَّةٍ بِكُلِّ حَالٍ. وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّالِثُ لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْعِدَّةِ الْكَامِلَةِ إذَا وُجِدَ فِي أَثْنَاءِ الْعِدَّةِ، انْتَقَلَتْ إلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ بَائِنًا، كَمَا لَوْ اعْتَدَّتْ بِالشُّهُورِ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute