للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا أَنَّهُ يَبْنِي فِيهِ بِإِذْنِهِمْ، فَجَازَ، كَمَا لَوْ أَذِنُوا لَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَلِأَنَّهُ مِلْكٌ لَهُمْ، فَجَازَ لَهُمْ أَخْذُ عِوَضِهِ، كَالْقَرَارِ.

إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّمَا يَجُوزُ بِشَرْطِ كَوْنِ مَا يُخْرِجُهُ مَعْلُومَ الْمِقْدَارِ فِي الْخُرُوجِ وَالْعُلُوِّ، وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا إذَا أَخْرَجَهُ إلَى مِلْكِ إنْسَانٍ مُعَيَّنٍ، لَا يَجُوزُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَيَجُوزُ بِإِذْنِهِ، بِعِوَضِ وَبِغَيْرِهِ، إذَا كَانَ مَعْلُومَ الْمِقْدَارِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ: لَا يَحْفِر فِي الطَّرِيقِ النَّافِذَةِ بِئْرًا لِنَفْسِهِ]

(٣٥٢٢) فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْفِرَ فِي الطَّرِيقِ النَّافِذَةِ بِئْرًا لِنَفْسِهِ، سَوَاءٌ جَعَلَهَا لِمَاءِ الْمَطَرِ، أَوْ لِيَسْتَخْرِجَ مِنْهَا مَا يَنْتَفِعُ بِهِ، وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ. وَإِنْ أَرَادَ حَفْرَهَا لِلْمُسْلِمِينَ وَنَفْعِهِمْ أَوْ لِنَفْعِ الطَّرِيقِ، مِثْل أَنْ يَحْفِرَهَا لِيَسْتَقِيَ النَّاسُ مِنْ مَائِهَا، وَيَشْرَبَ مِنْهُ الْمَارَّةُ، أَوْ لِيَنْزِلَ فِيهَا مَاءُ الْمَطَرِ عَنْ الطَّرِيقِ، نَظَرْنَا، فَإِنْ كَانَ الطَّرِيقِ ضَيِّقًا، أَوْ يَحْفِرَهَا فِي مَمَرِّ النَّاسِ بِحَيْثُ يُخَافُ سُقُوطُ إنْسَانٍ فِيهَا أَوْ دَابَّةٍ، أَوْ يُضَيِّقَ عَلَيْهِمْ مَمَرَّهُمْ، لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهَا أَكْثَرُ مِنْ نَفْعِهَا، وَإِنْ حَفَرَهَا فِي زَاوِيَةٍ فِي طَرِيقٍ وَاسِعٍ، وَجَعَلَ عَلَيْهَا مَا يَمْنَعُ الْوُقُوعَ فِيهَا، جَازَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَفْعٌ بِلَا ضَرَرٍ، فَجَازَ كَتَمْهِيدِهَا، وَبِنَاءِ رَصِيفٍ فِيهَا، فَأَمَّا مَا فَعْلَهُ فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ، فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِ أَهْلِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِلْكٌ لِقَوْمِ مُعَيَّنِينَ، فَلَمْ يَجُزْ فِعْلُ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ.

كَمَا لَوْ فَعَلَهُ فِي بُسْتَانِ إنْسَانٍ. وَلَوْ صَالَحَ أَهْلَ الدَّرْبِ عَنْ ذَلِكَ بِعِوَضٍ، جَازَ، سَوَاءٌ حَفَرَهَا لِنَفْسِهِ لِيَنْزِل فِيهَا مَاءُ الْمَطَرِ عَنْ دَارِهِ، أَوْ لِيَسْتَقِيَ مِنْهَا مَاءً لِنَفْسِهِ، أَوْ حَفَرَهَا لِلسَّبِيلِ وَنَفْعِ الطَّرِيقِ. وَكَذَلِكَ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي مِلْكِ إنْسَانٍ مُعَيَّنٍ.

[فَصْلٌ إخْرَاجُ الميازيب إلَى الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ]

(٣٥٢٣) فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الْمَيَازِيبِ إلَى الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ. وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا إلَى دَرْبٍ نَافِذٍ إلَّا بِإِذْنِ أَهْلِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ إخْرَاجُهُ إلَى الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اجْتَازَ عَلَى دَارِ الْعَبَّاسِ وَقَدْ نَصَبَ مِيزَابًا عَلَى الطَّرِيقِ، فَقَلَعَهُ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: تَقْلَعُهُ وَقَدْ نَصَبَهُ رَسُولُ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ؟ فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا نَصَبْته إلَّا عَلَى ظَهْرِي، وَانْحَنَى حَتَّى صَعِدَ عَلَى ظَهْرِهِ، فَنَصَبَهُ.

وَمَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلِغَيْرِهِ فِعْلُهُ، مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِهِ. وَلِأَنَّ

الْحَاجَةَ

تَدْعُو إلَى ذَلِكَ، وَلَا يُمْكِنُهُ رَدَّ مَائِهِ إلَى الدَّارِ. وَلِأَنَّ النَّاسَ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ بِلَادِ الْإِسْلَامِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ.

وَلَنَا، أَنَّ هَذَا تَصَرُّفٌ فِي هَوَاءٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَلَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ كَانَ الطَّرِيقِ غَيْرُ نَافِذٍ وَلِأَنَّهُ يَضُرُّ بِالطَّرِيقِ وَأَهْلِهَا، فَلَمْ يَجُزْ كَبِنَاءِ دَكَّةٍ فِيهَا أَوْ جَنَاحٍ يَضُرُّ بِأَهْلِهَا. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ، فَإِنَّ مَاءَهُ يَقَعُ عَلَى الْمَارَّةِ، وَرُبَّمَا جَرَى فِيهِ الْبَوْلُ أَوْ مَاءٌ نَجِسٌ فَيُنَجِّسُهُمْ، وَيَزْلَقُ الطَّرِيقَ، وَيَجْعَلُ فِيهَا الطِّينَ، وَالْحَدِيثُ قَضِيَّةٌ فِي عَيْنٍ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ، أَوْ تَجَدَّدَتْ الطَّرِيقُ بَعْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>