للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَيَوَانِ الْبَحْرِ، مِنْهُ الْعَلَقُ، وَالدِّيدَانُ، وَالسَّرَطَانُ، وَنَحْوُهَا، لَا يَتَنَجَّسُ بِالْمَوْتِ، وَلَا يَتَنَجَّسُ الْمَاءُ إذَا مَاتَ فِيهِ، فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ؛ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا، إلَّا مَا كَانَ مِنْ أَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، قَالَ فِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا:

يَنْجُسُ قَلِيلُ الْمَاءِ. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: وَهُوَ الْقِيَاسُ

وَالثَّانِي: لَا يَنْجُسُ وَهُوَ الْأَصْلَحُ لِلنَّاسِ فَأَمَّا الْحَيَوَانُ فِي نَفْسِهِ فَهُوَ عِنْدَهُ نَجِسٌ، قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ لَا يُؤْكَلُ لَا لِحُرْمَتِهِ، فَيَنْجُسُ بِالْمَوْتِ، كَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ، وَلَنَا: قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَمْقُلْهُ، فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً، وَفِي الْآخَرِ شِفَاءً.» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُد، وَفِي لَفْظٍ: «إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ، ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ؛ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ سُمًّا، وَفِي الْآخَرِ شِفَاءً» .

قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ذَلِكَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَقْلُهُ لَيْسَ بِقَتْلِهِ.

قُلْنَا: اللَّفْظُ عَامٌّ فِي كُلِّ شَرَابٍ بَارِدٍ، أَوْ حَارٍّ، أَوْ دُهْنٍ، مِمَّا يَمُوتُ بِغَمْسِهِ فِيهِ، فَلَوْ كَانَ يُنَجِّسُ الْمَاءَ كَانَ أَمْرًا بِإِفْسَادِهِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ لِسَلْمَانَ: يَا سَلْمَانُ، أَيُّمَا طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ مَاتَتْ فِيهِ دَابَّةٌ لَيْسَتْ لَهَا نَفْسٌ سَائِلَةٌ، فَهُوَ الْحَلَالُ: أَكْلُهُ، وَشُرْبُهُ، وَوُضُوءُهُ» . وَهَذَا صَرِيحٌ. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: يَرْوِيهِ بَقِيَّةُ، وَهُوَ مُدَلِّسٌ، فَإِذَا رَوَى عَنْ الثِّقَاتِ جَوَّدَ

وَلِأَنَّهُ لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ، لَمْ يَتَوَلَّدْ مِنْ النَّجَاسَةِ، فَأَشْبَهَ دُودَ الْخَلِّ إذَا مَاتَ فِيهِ، فَإِنَّهُمْ سَلَّمُوا ذَلِكَ وَنَحْوَهُ، أَنَّهُ لَا يُنَجِّسُ الْمَائِعَ الَّذِي تَوَلَّدَ مِنْهُ، إلَّا أَنْ يُؤْخَذَ ثُمَّ يُطْرَحَ فِيهِ، أَوْ يَشُقَّ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ، أَشْبَهَ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يُنَجِّسُ، لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ نَجِسًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ نَجِسًا لَنَجَّسَ كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ.

(٤٤) فَصْلٌ: فَإِنْ غَيَّرَ الْمَاءَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الطَّاهِرَاتِ؛ إنْ كَانَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، كَالْجَرَادِ يَتَسَاقَطُ فِي الْمَاءِ وَنَحْوِهِ، فَهُوَ كَوَرَقِ الشَّجَرِ الْمُتَنَاثِرِ فِي الْمَاءِ، يُعْفَى عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، كَاَلَّذِي يُلْقَى فِي الْمَاءِ قَصْدًا، فَهُوَ كَالْوَرَقِ الَّذِي يُلْقَى فِي الْمَاءِ، وَلَوْ تَغَيَّرَ الْمَاءُ بِحَيَوَانٍ مُذَكًّى، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُصِيبَ نَجَاسَةً، فَقَدْ نَقَلَ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ شَاةٍ مَذْبُوحَةٍ، وَقَعَتْ فِي مَاءٍ فَتَغَيَّرَ رِيحُ الْمَاءِ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ، إنَّمَا ذَلِكَ إذَا كَانَ مِنْ نَجَاسَةٍ.

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: قَالَ أَبِي: وَأَمَّا السَّمَكُ إذَا غَيَّرَ الْمَاءَ، فَأَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ.

[فَصْلٌ ضَرَبَ حَيَوَانًا مَأْكُولًا فَوَقَعَ فِي مَاءٍ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا]

(٤٥) فَصْلٌ: ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِيمَنْ ضَرَبَ حَيَوَانًا مَأْكُولًا، فَوَقَعَ فِي مَاءٍ، ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا، وَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ مَاتَ

<<  <  ج: ص:  >  >>