أَحَدُهُمَا، تَجِبُ لِعُمُومِ الْخَبَرِ؛ وَلِأَنَّهَا كَفَّارَةٌ تَجِبُ بِالْوَطْءِ، أَشْبَهَتْ كَفَّارَةَ الْوَطْءِ فِي الصَّوْمِ وَالْإِحْرَامِ. وَالثَّانِي، لَا تَجِبُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ» . وَلِأَنَّهَا تَجِبُ لِمَحْوِ الْمَأْثَمِ، فَلَا تَجِبُ مَعَ النِّسْيَانِ، كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ وَطِئَ طَاهِرًا، فَحَاضَتْ فِي أَثْنَاءِ وَطْئِهِ، لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى، عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَامِدٍ، قَالَ: وَلَوْ وَطِئَ الصَّبِيُّ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ؛ لِعُمُومِ الْخَبَرِ، وَقِيَاسًا عَلَى كَفَّارَةِ الْإِحْرَامِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ كَفَّارَةٌ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ التَّكْلِيفِ لَا تَثْبُتُ فِي حَقِّهِ، وَهَذَا مِنْ فُرُوعِهَا، فَلَا تَثْبُتُ.
[فَصْلٌ هَلْ تَلْزَمُ الْمَرْأَةَ الْمَوْطُوءَة وَهِيَ حائض كَفَّارَةٌ]
(٤٨٢) فَصْلٌ: وَهَلْ تَلْزَمُ الْمَرْأَةَ كَفَّارَةٌ؟ الْمَنْصُوصُ أَنَّ عَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ. قَالَ أَحْمَدُ فِي امْرَأَةٍ غَرَّتْ زَوْجَهَا: إنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ وَعَلَيْهَا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ وَطْءٌ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ، فَأَوْجَبَهَا عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُطَاوِعَةِ، كَكَفَّارَةِ الْوَطْءِ فِي الْإِحْرَامِ. وَقَالَ الْقَاضِي: فِي وُجُوبِهَا عَلَى الْمَرْأَةِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِإِيجَابِهَا عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا يَتَلَقَّى الْوُجُوبَ مِنْ الشَّرْعِ. وَإِنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً أَوْ غَيْرَ عَالِمَةٍ، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ، وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» .
(٤٨٣) فَصْلٌ: وَالنُّفَسَاءُ كَالْحَائِضِ فِي هَذَا؛ لِأَنَّهَا تُسَاوِيهَا فِي سَائِرِ أَحْكَامِهَا، وَيُجْزِئُ نِصْفُ دِينَارٍ مِنْ أَيِّ ذَهَبٍ كَانَ إذَا كَانَ صَافِيًا مِنْ الْغِشِّ، وَيَسْتَوِي تِبْرُهُ وَمَضْرُوبُهُ، لِوُقُوعِ الِاسْمِ عَلَيْهِ. وَهَلْ يَجُوزُ إخْرَاجُ قِيمَتِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا، يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِإِخْرَاجِ هَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْمَالِ، عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَ مِنْ الْمَالِ، فَجَازَ بِأَيِّ مَالٍ كَانَ، كَالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ.
وَالثَّانِي، لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ كَفَّارَةٌ، فَاخْتُصَّ بِبَعْضِ أَنْوَاعِ الْمَالِ، كَسَائِرِ الْكَفَّارَاتِ، فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ هَلْ يَجُوزُ إخْرَاجُ الدَّرَاهِمِ مَكَانَ الدِّينَارِ فِيهِ وَجْهَانِ، بِنَاءً عَلَى إخْرَاجِهَا عَنْهُ فِي الزَّكَاةِ، وَالصَّحِيحُ جَوَازُهُ؛ لِمَا ذَكَرْنَا؛ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ يُجْزِئُ فِيهِ أَحَدُ الثَّمَنَيْنِ، فَأَجْزَأَ فِيهِ الْآخَرُ، كَسَائِرِ الْحُقُوقِ. وَمَصْرِفُ هَذِهِ الْكَفَّارَةِ إلَى مَصْرِفِ سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ؛ لِكَوْنِهَا كَفَّارَةً؛ وَلِأَنَّ الْمَسَاكِينَ مَصْرِفُ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا مِنْهَا.
[مَسْأَلَةٌ فَإِنْ انْقَطَعَ دَمُهَا فَلَا تُوطَأُ حَتَّى تَغْتَسِلَ]
(٤٨٤) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (فَإِنْ انْقَطَعَ دَمُهَا، فَلَا تُوطَأُ حَتَّى تَغْتَسِلَ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ وَطْءَ الْحَائِضِ قَبْلَ الْغُسْلِ حَرَامٌ، وَإِنْ انْقَطَعَ دَمُهَا فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. قَالَ ابْنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute