للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثَبَتَ الْحَقُّ فِيهِ لِغَيْرِهِ. وَإِنْ اسْتَوَى تَارِيخُهُمَا، أَوْ أُطْلِقَتَا مَعًا، أَوْ أُرِّخَتْ إحْدَاهُمَا وَأُطْلِقَتْ الْأُخْرَى، فَقَدْ تَعَارَضَتَا. وَهَلْ يَسْقُطَانِ أَوْ يُسْتَعْمَلَانِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، يَسْقُطَانِ، فَيَصِيرَانِ كَمَنْ لَا بَيِّنَةَ لَهُمَا. وَالثَّانِي، يُسْتَعْمَلَانِ، وَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ قَرَعَ صَاحِبَهُ كَانَ أَوْلَى. وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ فِي بَابِهِ، إنْ شَاءَ اللَّهِ تَعَالَى. وَإِنْ كَانَ اللَّقِيطُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، فَهَلْ تُقَدَّمُ بَيِّنَتُهُ عَلَى بَيِّنَةِ الْآخَرِ، أَوْ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، مَبْنِيَّانِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي دَعْوَى الْمَالِ. وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْمُتَدَاعِيَيْنِ مِمَّنْ لَا تُقَرُّ يَدُهُ عَلَى اللَّقِيطِ، أُقِرَّ فِي يَدِ الْآخَرِ، وَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَى دَعْوَى مِنْ لَا يُقَرُّ فِي يَدِهِ بِحَالٍ.

[مَسْأَلَة ادَّعَى نَسُبّ اللَّقِيط مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ]

(٤٥٧٢) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (وَإِذَا ادَّعَاهُ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ، أُرِيَ الْقَافَةَ، فَبِأَيِّهِمَا أَلْحَقُوهُ لَحِقَ) يَعْنِي إذَا اُدُّعِيَ نَسَبُهُ، فَلَا تَخْلُو دَعْوَى نَسَبِ اللَّقِيطِ مِنْ قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَدَّعِيَهُ وَاحِدٌ يَنْفَرِدُ بِدَعْوَاهُ، فَيُنْظَرُ؛ فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي رَجُلًا مُسْلِمًا حُرًّا، لَحِقَ نَسَبُهُ بِهِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، إذَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مَحْضُ نَفْعٍ لِلطِّفْلِ لِاتِّصَالِ نَسَبِهِ، وَلَا مَضَرَّةَ عَلَى غَيْرِهِ فِيهِ، فَقُبِلَ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِمَالٍ. ثُمَّ إنْ كَانَ الْمُقِرُّ بِهِ مُلْتَقِطَهُ، أُقِرَّ فِي يَدِهِ. وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ، فَلَهُ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنْ الْمُلْتَقِطِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ أَبُوهُ، فَيَكُونُ أَحَقَّ بِوَلَدِهِ، كَمَا لَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ. وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي لَهُ عَبْدًا، لَحِقَ بِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ لِمَائِهِ حُرْمَةً، فَلَحِقَ بِهِ نَسَبُهُ كَالْحُرِّ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا تَثْبُتُ لَهُ حَضَانَةٌ؛ لِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِخِدْمَةِ سَيِّدِهِ، وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ، وَلَا عَلَى سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ الطِّفْلَ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ، فَتَكُونُ نَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ. وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي ذِمِّيًّا، لَحِقَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْ الْعَبْدِ فِي ثُبُوتِ الْفِرَاشِ، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ بِالنِّكَاحِ وَالْوَطْءِ فِي الْمِلْكِ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: لَا يَلْحَقُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِإِسْلَامِهِ. وَلَنَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِنَسَبِ مَجْهُولِ النَّسَبِ، يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ، وَلَيْسَ فِي إقْرَارِهِ إضْرَارٌ بِغَيْرِهِ، فَيَثْبُتُ إقْرَارُهُ، كَالْمُسْلِمِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ يَلْحَقُ بِهِ مِنْ النَّسَبِ لَا فِي الدِّينِ، وَلَا حَقَّ لَهُ فِي حَضَانَتِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: يَتْبَعُهُ فِي دِينِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا لَحِقَهُ فِي نَسَبِهِ يَلْحَقُ بِهِ فِي دِينِهِ، كَالْبَيِّنَةِ، إلَّا أَنَّهُ يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَلَنَا أَنَّ هَذَا حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الذِّمِّيِّ فِي كُفْرِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ مَعْرُوفَ النَّسَبِ؛ وَلِأَنَّهَا دَعْوَى تُخَالِفُ الظَّاهِرَ، فَلَمْ تُقْبَلْ بِمُجَرَّدِهَا، كَدَعْوَى رِقِّهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ تَبِعَهُ فِي دِينِهِ لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ بِنَسَبِهِ؛

<<  <  ج: ص:  >  >>