وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ: هُوَ حَرَامٌ.
وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ السِّبَاعِ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ. وَهِيَ مِنْ السِّبَاعِ، فَتَدْخُلُ فِي عُمُومِ النَّهْيِ. وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الضَّبُعِ، فَقَالَ: «وَمَنْ يَأْكُلُ الضَّبُعَ؟» . وَلَنَا مَا رَوَى جَابِرٌ، قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَكْلِ الضَّبُعِ. قُلْت: صَيْدٌ هِيَ؟ قَالَ: «نَعَمْ» . احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ.
وَفِي لَفْظٍ قَالَ: سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الضَّبُعِ. فَقَالَ: «هُوَ صَيْدٌ، وَيُجْعَلُ فِيهِ كَبْشٌ إذَا صَادَهُ الْمُحْرِمُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا لَا يُعَارِضُ حَدِيثَ النَّهْيِ عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْهُ. قُلْنَا: هَذَا تَخْصِيصٌ لَا مُعَارِضٌ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِي التَّخْصِيصِ كَوْنُ الْمُخَصَّصِ فِي رُتْبَةِ الْمُخَصِّصِ؛ بِدَلِيلِ تَخْصِيصِ عُمُومِ الْكِتَابِ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ.
فَأَمَّا الْخَبَرُ الَّذِي فِيهِ: " وَمَنْ يَأْكُلُ الضَّبُعَ؟ " فَحَدِيثٌ طَوِيلٌ، يَرْوِيهِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ أَبِي الْمُخَارِقِ، يَنْفَرِدُ بِهِ، وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ. وَلِأَنَّ الضَّبُعَ قَدْ قِيلَ: إنَّهَا لَيْسَ لَهَا نَابٌ. وَسَمِعْت مَنْ يَذْكُرُ أَنَّ جَمِيعَ أَسْنَانِهَا عَظْمٌ وَاحِدٌ كَصَفْحَةِ نَعْلِ الْفَرَسِ. فَعَلَى هَذَا لَا تَدْخُلُ فِي عُمُومِ النَّهْيِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ حُكْمُ أَكْلِ التِّرْيَاقِ]
(٧٨٢٣) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَا يُؤْكَلُ التِّرْيَاقُ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ فِيهِ لُحُومُ الْحَيَّاتِ) التِّرْيَاقُ: دَوَاءٌ يُتَعَالَجُ بِهِ مِنْ السُّمِّ، وَيُجْعَلُ فِيهِ مِنْ لُحُومِ الْحَيَّاتِ، فَلَا يُبَاحُ أَكْلُهُ وَلَا شُرْبُهُ؛ لِأَنَّ لَحْمَ الْحَيَّةِ حَرَامٌ. وَمِمَّنْ كَرِهَهُ الْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ. وَرَخَّصَ فِيهِ الشَّعْبِيُّ، وَمَالِكٌ؛ لِأَنَّهُ يَرَى إبَاحَةَ لُحُومِ الْحَيَّاتِ. وَيَقْتَضِيهِ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِإِبَاحَتِهِ التَّدَاوِيَ بِبَعْضِ الْمُحَرَّمَاتِ.
وَلَنَا أَنَّ لَحْمَ الْحَيَّاتِ حَرَامٌ، بِمَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا مَضَى. وَلَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِمُحَرَّمٍ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهَا.»
[فَصْلٌ التَّدَاوِي بِمُحَرَّمٍ]
(٧٨٢٤) فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِمُحَرَّمٍ، وَلَا بِشَيْءٍ فِيهِ مُحَرَّمٌ، مِثْلِ أَلْبَانِ الْأُتُنِ، وَلَحْمِ شَيْءٍ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ، وَلَا شُرْبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute