كَمَا نَقَلَ الْإِمَامُ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ» ، وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ؛ فَاسْتُحِبَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ فِي الْقَوْلَيْنِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: السُّنَّةُ أَنْ يَقُولَ: رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ، وَلَيْسَ هَاهُنَا شَيْءٌ يُعْطَفُ عَلَيْهِ.
وَلَنَا أَنَّ السُّنَّةَ الِاقْتِدَاءُ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّ إثْبَاتَ الْوَاوِ أَكْثَرُ حُرُوفًا، وَيَتَضَمَّنُ الْحَمْدَ مُقَدَّرًا وَمُظْهَرًا، فَإِنَّ التَّقْدِيرَ: رَبَّنَا حَمِدْنَاكَ وَلَكَ الْحَمْدُ. فَإِنَّ الْوَاوَ لَمَّا كَانَتْ لِلْعَطْفِ وَلَا شَيْءَ هَاهُنَا تَعْطِفُ عَلَيْهِ ظَاهِرًا، دَلَّتْ عَلَى أَنَّ فِي الْكَلَامِ مُقَدَّرًا، كَقَوْلِهِ: " سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ "، أَيْ وَبِحَمْدِك سُبْحَانَك، وَكَيْفَمَا قَالَ جَازَ، وَكَانَ حَسَنًا؛ لِأَنَّ كُلًّا قَدْ وَرَدَتْ السُّنَّةُ بِهِ.
[مَسْأَلَة لَا يُشْرَعُ لِلْمَأْمُومِ قَوْلُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ]
(٧٠٨) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (فَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا، لَمْ يَزِدْ عَلَى قَوْلِ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ) لَا أَعْلَمُ فِي الْمَذْهَبِ خِلَافًا أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ لِلْمَأْمُومِ قَوْلُ: " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ "، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَالشَّعْبِيِّ، وَمَالِكٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ، وَأَبُو بُرْدَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ: يَقُولُ ذَلِكَ كَالْإِمَامِ؛ لِحَدِيثِ بُرَيْدَةَ، وَلِأَنَّهُ ذِكْرٌ شُرِعَ لِلْإِمَامِ فَيُشْرَعُ لِلْمَأْمُومِ، كَسَائِرِ الْأَذْكَارِ. وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ» .
وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمْ " رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ " عَقِيبَ قَوْلِهِ " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " بِغَيْرِ فَصْلٍ؛ لِأَنَّ الْفَاءَ لِلتَّعْقِيبِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْقِيَاسِ، وَعَلَى حَدِيثِ بُرَيْدَةَ، لِأَنَّ هَذَا صَحِيحٌ مُخْتَصٌّ بِالْمَأْمُومِ، وَحَدِيثُ بُرَيْدَةَ فِي إسْنَادِهِ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ، وَهُوَ عَامٌّ، وَتَقْدِيمُ الصَّحِيحِ الْخَاصِّ أَوْلَى، فَأَمَّا قَوْلُ: " مِلْءَ السَّمَاءِ " وَمَا بَعْدَهُ، فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ لِلْمَأْمُومِ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اقْتَصَرَ عَلَى أَمْرِهِمْ بِقَوْلِ: " رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ ". فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ فِي حَقِّهِمْ سِوَاهُ. وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ عَنْ أَحْمَدَ كَلَامًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَسْنُونٌ، قَالَ: وَلَيْسَ يَسْقُطُ خَلْفَ الْإِمَامِ عَنْهُ غَيْرُ: " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ". وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي الْخَطَّابِ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مَشْرُوعٌ فِي الصَّلَاةِ، أَشْبَهَ سَائِرَ الْأَذْكَارِ.
[فَصْلٌ مَوْضِعُ قَوْلِ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ]
فَصْلٌ: وَمَوْضِعُ قَوْلِ: " رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ " فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ، بَعْدَ الِاعْتِدَالِ مِنْ الرُّكُوعِ؛ لِأَنَّهُ فِي حَالِ رَفْعِهِ يُشْرَعُ فِي حَقِّهِ قَوْلُ: " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ "، فَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَفِي حَالِ رَفْعِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا قَالَ الْإِمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ» . يَقْتَضِي تَعْقِيبَ قَوْلِ الْإِمَامِ قَوْلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute