يُقَالَ: إنَّ نَسْخَهُ حَصَلَ بِالْقُرْآنِ، فَإِنَّ الْجَلْدَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالرَّجْمَ كَانَ فِيهِ، فَنُسِخَ رَسْمُهُ، وَبَقِيَ حُكْمُهُ.
[مَسْأَلَةٌ زَنَى الْحُرُّ الْمُحْصَنُ أَوْ الْحُرَّةُ الْمُحْصَنَةُ]
[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: وُجُوبِ الرَّجْمِ عَلَى الزَّانِي الْمُحْصَنِ]
(٧١٣١) مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِذَا زَنَى الْحُرُّ الْمُحْصَنُ، أَوْ الْحُرَّةُ الْمُحْصَنَةُ، جُلِدَا وَرُجِمَا حَتَّى يَمُوتَا، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى، يُرْجَمَانِ، وَلَا يُجْلَدَانِ) الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي فُصُولٍ ثَلَاثَةٍ: الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: فِي وُجُوبِ الرَّجْمِ عَلَى الزَّانِي الْمُحْصَنِ، رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً. وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا إلَّا الْخَوَارِجَ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: الْجَلْدُ لِلْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: ٢] . وَقَالُوا: لَا يَجُوزُ تَرْكُ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى الثَّابِتِ بِطَرِيقِ الْقَطْعِ وَالْيَقِينِ، لِأَخْبَارِ آحَادٍ يَجُوزُ الْكَذِبُ فِيهَا، وَلِأَنَّ هَذَا يُفْضِي إلَى نَسْخِ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ.
وَلَنَا، أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ الرَّجْمُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ، فِي أَخْبَارٍ تُشْبِهُ الْمُتَوَاتِرَ، وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ فِي أَثْنَاءِ الْبَابِ فِي مَوَاضِعِهِ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ، وَإِنَّمَا نُسِخَ رَسْمُهُ دُونَ حُكْمِهِ، فَرُوِيَ عَنْ «عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحَقِّ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، فَكَانَ فِيمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةُ الرَّجْمِ، فَقَرَأْتُهَا وَعَقَلْتُهَا وَوَعَيْتُهَا، وَرَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ. فَأَخْشَى إنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ مَا نَجِدُ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ. فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى، فَالرَّجْمُ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إذَا أُحْصِنَ، مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ، أَوْ كَانَ الْحَبَلُ، أَوْ الِاعْتِرَافُ، وَقَدْ قَرَأْتهَا: الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ نَكَالًا مِنْ اللَّهِ وَاَللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا آيَةُ الْجَلْدِ، فَنَقُولُ بِهَا، فَإِنَّ الزَّانِيَ يَجِبُ جَلْدُهُ، فَإِنْ كَانَ ثَيِّبًا رُجِمَ مَعَ الْجَلْدِ، وَالْآيَةُ لَمْ تَتَعَرَّضْ لِنَفْيِهِ. وَإِلَى هَذَا أَشَارَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ جَلَدَ شُرَاحَةَ، ثُمَّ رَجَمَهَا، وَقَالَ: جَلَدْتُهَا بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ رَجَمْتُهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثُمَّ لَوْ قُلْنَا: إنَّ الثَّيِّبَ لَا يُجْلَدُ لَكَانَ هَذَا تَخْصِيصًا لِلْآيَةِ الْعَامَّةِ، وَهَذَا سَائِغٌ بِغَيْرِ خِلَافٍ، فَإِنَّ عُمُومَاتِ الْقُرْآنِ فِي الْإِثْبَاتِ كُلَّهَا مُخَصَّصَةٌ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّ هَذَا نَسْخٌ. لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَإِنَّمَا هُوَ تَخْصِيصٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ نَسْخًا، لَكَانَ نَسْخًا بِالْآيَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَدْ رَوَيْنَا أَنَّ رُسُلَ الْخَوَارِجِ جَاءُوا عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ مَا عَابُوا عَلَيْهِ الرَّجْمُ، وَقَالُوا: لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ إلَّا الْجَلْدُ.
وَقَالُوا: الْحَائِضُ أَوْجَبْتُمْ عَلَيْهَا قَضَاءَ الصَّوْمِ دُونَ الصَّلَاةِ، وَالصَّلَاةُ أَوْكَدُ. فَقَالَ لَهُمْ عُمَرُ: وَأَنْتُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute