الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ وَكَّلَهُ فِي التَّعْرِيفِ، فَصَحَّ، كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي يَدِ الْأَوَّلِ. وَإِنْ قَالَ: عَرِّفْهَا، وَتَكُونُ بَيْنَنَا. فَفَعَلَ، صَحَّ أَيْضًا، وَكَانَتْ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ نِصْفِهَا، وَوَكَّلَهُ فِي الْبَاقِي. وَإِنْ قَصَدَ الثَّانِي بِالتَّعْرِيفِ تَمَلُّكَهَا لِنَفْسِهِ دُونِ الْأَوَّلِ، احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، يَمْلِكُهَا؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ وُجِدَ مِنْهُ، فَمَلَكَهَا، كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ الْأَوَّلُ فِي تَعْرِيفِهَا لِنَفْسِهِ
وَالثَّانِي لَا يَمْلِكُهَا؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّعْرِيفِ لِلْأَوَّلِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ غَصَبَهَا مِنْ الْمُلْتَقِطِ غَاصِبٌ فَعَرَّفَهَا. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إذَا عَلِمَ الثَّانِي بِالْأَوَّلِ فَعَرَّفَهَا، وَلَمْ يُعْلِمْهُ بِهَا. وَيُشْبِهُ هَذَا الْمُتَحَجِّرَ فِي الْمَوَاتِ إذَا سَبَقَهُ غَيْرُهُ إلَى مَا حَجَرَهُ، فَأَحْيَاهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ. فَأَمَّا إنْ غَصَبَهَا غَاصِبٌ مِنْ الْمُلْتَقِطِ، فَعَرَّفَهَا، لَمْ يَمْلِكْهَا، وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ مُعْتَدٍ بِأَخْذِهَا وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ سَبَبُ تَمَلُّكِهَا، فَإِنَّ الِالْتِقَاطَ مِنْ جُمْلَةِ السَّبَبِ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ. وَيُفَارِقُ هَذَا مَا إذَا الْتَقَطَهَا ثَانٍ، فَإِنَّهُ وُجِدَ مِنْهُ الِالْتِقَاطُ وَالتَّعْرِيفُ.
[فَصْلٌ اصْطَادَ سَمَكَةً فَوَجَدَ فِيهَا دُرَّةً]
(٤٥١٩) فَصْلٌ: وَمَنْ اصْطَادَ سَمَكَةً، فَوَجَدَ فِيهَا دُرَّةً، فَهِيَ لِلصَّيَّادِ؛ لِأَنَّ الدُّرَّ يَكُونُ فِي الْبَحْرِ، بِدَلِيلِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} [النحل: ١٤] . فَتَكُونُ لِآخِذِهَا، فَإِنْ بَاعَهَا الصَّيَّادُ وَلَمْ يَعْلَمْ، فَوَجَدَهَا الْمُشْتَرِي فِي بَطْنِهَا، فَهِيَ لِلصَّيَّادِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ مَا فِي بَطْنِهَا فَلَمْ يَبِعْهُ، وَلَمْ يَرْضَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ، فَلَمْ يَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ، كَمَنْ بَاعَ دَارًا لَهُ مَالٌ مَدْفُونٌ فِيهَا. وَإِنْ وَجَدَ فِي بَطْنِهَا عَنْبَرَةً أَوْ شَيْئًا مِمَّا يَكُونُ فِي الْبَحْرِ، فَهُوَ لِلصَّيَّادِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا. وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْجَوْهَرَةِ
وَإِنْ وَجَدَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ، فَهِيَ لُقَطَةٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُخْلَقُ فِي الْبَحْرِ، وَلَا يَكُونُ إلَّا لِآدَمِيٍّ، فَيَكُونُ لُقَطَةً، كَمَا لَوْ وَجَدَهُ فِي الْبَحْرِ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الدُّرَّةِ إذَا كَانَ فِيهَا أَثَرٌ لِآدَمِيٍّ، مِثْلُ أَنْ تَكُونَ مَثْقُوبَةً أَوْ مُتَّصِلَةً بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، فَإِنَّهَا تَكُونُ لُقَطَةً لَا يَمْلِكُهَا الصَّيَّادُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَقَعْ فِي الْبَحْرِ حَتَّى تَثْبُتَ الْيَدُ عَلَيْهَا، فَهِيَ كَالدِّينَارِ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْعَنْبَرَةِ إذَا كَانَتْ مَوْصُولَةً بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، أَوْ مَصْنُوعَةً، كَالتُّفَّاحَةِ مَثْقُوبَةً، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُخْلَقُ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ، فَهِيَ لُقَطَةٌ
وَإِنْ وَجَدَهَا الصَّيَّادُ فَعَلَيْهِ تَعْرِيفُهَا؛ لِأَنَّهُ مُلْتَقِطُهَا، وَإِنْ وَجَدَهَا الْمُشْتَرِي، فَالتَّعْرِيفُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِدُهَا، وَلَا حَاجَةَ إلَى الْبِدَايَةِ بِالْبَائِعِ، فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ السَّمَكَةُ ابْتَلَعَتْ ذَلِكَ بَعْدَ اصْطِيَادِهَا وَمِلْكِ الصَّيَّادِ لَهَا، فَاسْتَوَى هُوَ وَغَيْرُهُ. فَأَمَّا إنْ اشْتَرَى شَاةً، وَوَجَدَ فِي بَطْنِهَا دُرَّةً أَوْ عَنْبَرَةً أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ، فَهِيَ لُقَطَةٌ يُعَرِّفُهَا، وَيَبْدَأُ بِالْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ ابْتَلَعَتْهَا مِنْ مِلْكِهِ فَيَبْدَأُ بِهِ، كَقَوْلِنَا فِي مُشْتَرِي الدَّارِ إذَا وَجَدَ فِيهَا مَالًا مَدْفُونًا
وَإِنْ اصْطَادَ السَّمَكَةَ مِنْ غَيْرِ الْبَحْرِ، كَالنَّهْرِ وَالْعَيْنِ، فَحُكْمُهَا حُكْمُ الشَّاةِ، فِي أَنَّ مَا وُجِدَ فِي بَطْنِهَا مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ لُقَطَةٌ، دُرَّةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْبَحْرِ بِحُكْمِ الْعَادَةِ. وَيَحْتَمِلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute