مِنْ الْمُسَمَّى بِقَدْرِ حِصَّتِهِ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ، يَكُونُ بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا، بِنَاءً عَلَى مَا إذَا تَزَوَّجَ أَرْبَعًا بِمَهْرِ وَاحِدٍ، أَوْ كَاتَبَ أَرْبَعَةَ أَعْبُدٍ بِعِوَضٍ وَاحِدٍ. وَهَلْ يَكُونُ الْعِوَضُ أَرْبَاعًا، أَوْ عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِمْ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
[مَسْأَلَة اشْتَرَكَ بَدَنَانِ بِمَالِ أَحَدِهِمَا أَوْ بَدَنَانِ بِمَالِ غَيْرِهِمَا]
(٣٦٢٦) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِنْ اشْتَرَكَ بَدَنَانِ بِمَالِ أَحَدِهِمَا، أَوْ بَدَنَانِ بِمَالِ غَيْرِهِمَا، أَوْ بَدَنٌ وَمَالٌ، أَوْ مَالَانِ وَبَدَنُ صَاحِبِ أَحَدِهِمَا، أَوْ بَدَنَانِ بِمَالَيْهِمَا، تَسَاوَى الْمَالُ أَوْ اخْتَلَفَ، فَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ.) ذَكَرَ أَصْحَابُنَا الشَّرِكَةَ الْجَائِزَةَ أَرْبَعًا، وَقَدْ ذَكَرْنَا نَوْعًا مِنْهَا؛ وَهُوَ شَرِكَةُ الْأَبْدَانِ، وَبَقِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ، ذَكَرَهَا الْخِرَقِيِّ فِي خَمْسَةِ أَقْسَامٍ، ثَلَاثَةٌ مِنْهَا الْمُضَارَبَةُ، وَهِيَ إذَا اشْتَرَكَ بَدَنَانِ بِمَالِ أَحَدِهِمَا، أَوْ بَدَنٌ وَمَالٌ، أَوْ مَالَانِ وَبَدَنُ صَاحِبِ أَحَدِهِمَا.
وَقِسْمٌ مِنْهَا شَرِكَةُ الْوُجُوهِ، وَهُوَ إذَا اشْتَرَكَ بَدَنَانِ بِمَالِ غَيْرِهِمَا. وَقَالَ الْقَاضِي: مَعْنَى هَذَا الْقِسْمِ، أَنْ يَدْفَعَ وَاحِدٌ مَالَهُ إلَى اثْنَيْنِ مُضَارَبَةً، فَيَكُونُ الْمُضَارِبَانِ شَرِيكَيْنِ فِي الرِّبْحِ بِمَالِ غَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا إذَا أُخِذَا الْمَالُ بِجَاهِهِمَا فَلَا يَكُونَانِ مُشْتَرِكَيْنِ بِمَالِ غَيْرِهِمَا، وَهَذَا مُحْتَمِلٌ.
وَاَلَّذِي قُلْنَا لَهُ وَجْهٌ؛ لِكَوْنِهِمَا اشْتَرَكَا فِيمَا يَأْخُذَانِ مِنْ مَالِ غَيْرِهِمَا، وَاخْتَرْنَا هَذَا التَّفْسِيرَ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ بِهَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ جَامِعًا لِأَنْوَاعِ الشَّرِكَةِ الصَّحِيحَةِ، وَعَلَى تَفْسِيرِ الْقَاضِي يَكُونُ مُخِلًّا بِنَوْعٍ مِنْهَا، وَهِيَ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ، وَيَكُونُ هَذَا الْمَذْكُورُ نَوْعًا مِنْ الْمُضَارَبَةِ، وَلِأَنَّ الْخِرَقِيِّ ذَكَرَ الشَّرِكَةَ بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى تَفْسِيرِنَا، وَعَلَى تَفْسِيرِ الْقَاضِي تَكُونُ الشَّرِكَةُ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ، وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ. وَالْقِسْمُ الْخَامِسُ إذَا اشْتَرَكَ بَدَنَانِ بِمَالَيْهِمَا، وَهَذِهِ شَرِكَةُ الْعِنَانِ، وَهِيَ شَرِكَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا.
فَأَمَّا شَرِكَةُ الْوُجُوهِ، فَهُوَ أَنْ يَشْتَرِك اثْنَانِ فِيمَا يَشْتَرِيَانِ بِجَاهِهِمَا، وَثِقَةُ التُّجَّارِ بِهِمَا، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُمَا رَأْسُ مَالٍ، عَلَى أَنَّ مَا اشْتَرَيَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ أَوْ أَثْلَاثًا أَوْ أَرْبَاعًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَيَبِيعَانِ ذَلِكَ، فَمَا قَسَمَ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ بَيْنَهُمَا، فَهِيَ جَائِزَةٌ، سَوَاءٌ عَيَّنَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ مَا يَشْتَرِيه، أَوْ قَدْرَهُ، أَوْ وَقْتَهُ، أَوْ ذَكَرَ صِنْفَ الْمَالِ، أَوْ لَمْ يُعَيِّنْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، بَلْ قَالَ: مَا اشْتَرَيْت مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنَنَا.
وَقَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: فِي رَجُلَيْنِ اشْتَرَكَا بِغَيْرِ رُءُوسِ أَمْوَالِهِمَا، عَلَى أَنَّ مَا يَشْتَرِيه كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيْنَهُمَا، فَهُوَ جَائِزٌ. وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَصِحُّ حَتَّى يَذْكُرَ الْوَقْتَ أَوْ الْمَالَ، أَوْ صِنْفًا مِنْ الثِّيَابِ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: يُشْتَرَطُ ذِكْرُ شَرَائِطِ الْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّ شَرَائِطَ الْوَكَالَةِ مُعْتَبَرَةٌ فِي ذَلِكَ، مِنْ تَعَيُّنِ الْجِنْسِ وَغَيْرِهِ مِنْ شَرَائِطِ الْوَكَالَةِ. وَلَنَا، أَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي الِابْتِيَاعِ، وَأَذِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ فِيهِ، فَصَحَّ، وَكَانَ مَا يَتَبَايَعَانِهِ بَيْنَهُمَا، كَمَا لَوْ ذَكَرَ شَرَائِطَ الْوَكَالَةِ.
وَقَوْلُهُمْ: إنَّ الْوَكَالَةَ لَا تَصِحُّ حَتَّى يَذْكُرَ قَدْرَ الثَّمَنِ وَالنَّوْعَ. مَمْنُوعٌ عَلَى رِوَايَةٍ لَنَا، وَإِنْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ فَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الْوَكَالَةِ الْمُفْرَدَةِ، أَمَّا الْوَكَالَةُ الدَّاخِلَةُ فِي ضِمْنِ الشَّرِكَةِ فَلَا يُعْتَبَرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute