للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[كِتَاب الْأَيْمَان]

ِ الْأَصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّتِهَا وَثُبُوتِ حُكْمِهَا، الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ. أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: ٨٩] . الْآيَةَ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل: ٩١] . وَأَمَرَ نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحَلِفِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ، فَقَالَ: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} [يونس: ٥٣] . وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} [سبأ: ٣] . وَالثَّالِثُ: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [التغابن: ٧] . وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنِّي وَاَللَّهِ، إنْ شَاءَ اللَّهُ، لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، إلَّا أَتَيْت الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

وَكَانَ أَكْثَرُ قَسَمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " وَمُصَرِّفِ الْقُلُوبِ، وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ ". ثَبَتَ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي آيٍ وَأَخْبَارٍ سِوَى هَذَيْنِ كَثِيرٍ، وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْيَمِينِ، وَثُبُوتِ أَحْكَامِهَا. وَوَضْعُهَا فِي الْأَصْلِ لِتَوْكِيدِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ. (٧٩٤٠) فَصْلٌ: وَتَصِحُّ مِنْ كُلِّ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ قَاصِدٍ إلَى الْيَمِينِ، وَلَا تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ، كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالنَّائِمِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ» . وَلِأَنَّهُ قَوْلٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ حَقٍّ، فَلَمْ يَصِحَّ مِنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ، أَوْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ؟ وَلَا تَنْعَقِدُ يَمِينُ مُكْرَهٍ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّهَا يَمِينُ مُكَلَّفٍ، فَانْعَقَدَتْ، كَيَمِينِ الْمُخْتَارِ.

وَلَنَا مَا رَوَى أَبُو أُمَامَةَ، وَوَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيْسَ عَلَى مَقْهُورٍ يَمِينٌ» . وَلِأَنَّهُ قَوْلٌ حُمِلَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَمْ يَصِحّ كَكَلِمَةِ الْكُفْرِ.

[فَصْلٌ حُكْم الْيَمِينُ مِنْ الْكَافِرِ]

(٧٩٤١) فَصْلٌ: وَتَصِحُّ الْيَمِينُ مِنْ الْكَافِرِ، وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ، سَوَاءٌ حَنِثَ فِي كُفْرِهِ أَوْ بَعْدَ إسْلَامِهِ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ إذَا حَنِثَ بَعْدَ إسْلَامِهِ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا يَنْعَقِدُ يَمِينُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُكَلَّفٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>