وَلَا يَصِحُّ فِي الْإِيلَاءِ وَالْقَسَامَةِ وَاللِّعَانِ؛ لِأَنَّهَا أَيْمَانٌ. وَلَا فِي الْقَسْمِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِبَدَنِ الزَّوْجِ لَأَمْرٍ لَا يُوجَدُ مِنْ غَيْرِهِ. وَلَا فِي الرَّضَاعِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْمُرْضِعَةِ وَالْمُرْتَضِعِ، لَأَمْرٍ يَخْتَصُّ بِإِثْبَاتِ لَحْمِ الْمُرْتَضِعِ، وَإِنْشَازِ عَظْمِهِ بِلَبَنِ الْمُرْضِعَةِ. وَلَا فِي الظِّهَارِ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ مُنْكَرٌ وَزُورٌ، فَلَا يَجُوزُ فِعْلُهُ، وَلَا الِاسْتِنَابَةُ فِيهِ. وَلَا يَصِحُّ فِي الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ. وَلَا فِي الْجِنَايَاتِ؛ لِذَلِكَ. وَلَا فِي كُلِّ مُحَرَّمٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ، فَلَمْ يَجُزْ لِنَائِبِهِ.
[فَصْلٌ الْوَكَالَة فِي حُقُوق اللَّهِ تَعَالَى]
(٣٧٤١) فَصْلٌ: فَأَمَّا حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى فَمَا كَانَ مِنْهَا حَدًّا كَحَدِّ الزِّنَى وَالسَّرِقَةِ، جَازَ التَّوْكِيلُ فِي اسْتِيفَائِهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «اُغْدُ يَا أُنَيْسُ إلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا. فَغَدَا عَلَيْهَا أُنَيْسٌ، فَاعْتَرَفَتْ، فَأَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. «وَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَجْمِ مَاعِزٍ، فَرَجَمُوهُ» . وَوَكَّلَ عُثْمَانُ عَلِيًّا فِي إقَامَةِ حَدِّ الشُّرْبِ عَلَى الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ. وَوَكَّلَ عَلِيٌّ الْحَسَنَ فِي ذَلِكَ، فَأَبَى الْحَسَنُ، فَوَكَّلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ، فَأَقَامَهُ، وَعَلِيٌّ يَعُدُّ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَا يُمْكِنُهُ تَوَلِّي ذَلِكَ بِنَفْسِهِ. وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِي إثْبَاتِهَا. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يَجُوزُ فِي إثْبَاتِهَا. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ، وَقَدْ أُمِرْنَا بِدَرْئِهَا بِهَا، وَالتَّوْكِيلُ يُوصِلُ إلَى الْإِيجَابِ.
وَلَنَا، حَدِيثُ أُنَيْسٍ؛ «فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَّلَهُ فِي إثْبَاتِهِ وَاسْتِيفَائِهِ جَمِيعًا، فَإِنَّهُ قَالَ: فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» . وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ثَبَتَ، وَقَدْ وَكَّلَهُ فِي إثْبَاتِهِ وَاسْتِيفَائِهِ جَمِيعًا. وَلِأَنَّ الْحَاكِمَ إذَا اسْتَنَابَ، دَخَلَ فِي ذَلِكَ الْحُدُودُ، فَإِذَا دَخَلَتْ فِي التَّوْكِيلِ بِطَرِيقِ الْعُمُومِ، وَجَبَ أَنْ تَدْخُلَ بِالتَّخْصِيصِ بِهَا أَوْلَى، وَالْوَكِيلُ يَقُومُ مُقَامَ الْمُوَكِّلِ فِي دَرْئِهَا بِالشُّبُهَاتِ.
وَأَمَّا الْعِبَادَاتُ، فَمَا كَانَ مِنْهَا لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْمَالِ، كَالزَّكَاةِ وَالصَّدَقَاتِ وَالْمَنْذُورَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ، جَازَ التَّوْكِيلُ فِي قَبْضِهَا وَتَفْرِيقِهَا، وَيَجُوزُ لِلْمُخْرِجِ التَّوْكِيلُ فِي إخْرَاجِهَا وَدَفْعِهَا إلَى مُسْتَحِقِّهَا. وَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ لِغَيْرِهِ: أَخْرِجْ زَكَاةَ مَالِي مِنْ مَالِكَ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ عُمَّالَهُ لِقَبْضِ الصَّدَقَاتِ وَتَفْرِيقِهَا، وَقَالَ لِمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ: أَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوك بِذَلِكَ، فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِي الْحَجِّ إذَا أَيِسَ الْمَحْجُوجُ عَنْهُ مِنْ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ الْعُمْرَةُ. وَيَجُوزُ أَنْ يُسْتَنَابَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ بَعْدَ الْمَوْتِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute