إحْدَاهُمَا، الْجَوَازُ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ فِي مِلْكِ الْجَارِ، مَعَ أَنَّ حَقَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الشُّحِّ وَالضِّيقِ، فَفِي حُقُوقِ اللَّه تَعَالَى الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَالْمُسَاهَلَةِ أَوْلَى. وَالثَّانِيَةُ، لَا يَجُوزُ. نَقَلَهَا أَبُو طَالِبٍ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي الْمَنْعَ فِي حَقِّ الْكُلِّ، تُرِكَ فِي حَقِّ الْجَارِ لِلْخَبَرِ الْوَارِدِ فِيهِ، فَوَجَبَ الْبَقَاءُ فِي غَيْرِهِ عَلَى مُقْتَضَى الْقِيَاسِ. وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ.
وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَجْهًا لِلْمَنْعِ مِنْ وَضْعِ الْخَشَبِ فِي مِلْكِ الْجَارِ؛ لِأَنَّهُ إذَا مُنِعَ مِنْ وَضْعِ الْخَشَبِ فِي الْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَلِلْوَاضِعِ فِيهِ حَقٌّ فَلَأَنْ يُمْنَعَ مَنْ الْمُخْتَصِّ بِغَيْرِهِ أَوْلَى. وَلِأَنَّهُ إذَا مُنِعَ فِي حَقٍّ لِلَّهِ تَعَالَى مَعَ أَنَّ حَقَّهُ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَالْمُسَاهَلَةِ؛ لِغِنَى اللَّهِ تَعَالَى وَكَرَمِهِ، فَلَأَنْ يُمْنَعَ فِي حَقِّ آدَمِيٍّ مَعَ شُحِّهِ وَضِيقِهِ أَوْلَى.
وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ. فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ لَا تُجِيزُونَ فَتْحَ الطَّاقِ وَالْبَابِ فِي الْحَائِطِ، بِالْقِيَاسِ عَلَى وَضْعِ الْخَشَبِ؟ قُلْنَا لِأَنَّ الْخَشَبَ يُمْسِكُ الْحَائِطَ وَيَنْفَعُهُ، بِخِلَافِ الطَّاقِ وَالْبَابِ، فَإِنَّهُ يُضْعِفُ الْحَائِطَ، لِأَنَّهُ يَبْقَى مَفْتُوحًا فِي الْحَائِطِ، وَاَلَّذِي يَفْتَحُهُ لِلْخَشَبَةِ يَسُدُّهُ بِهَا، وَلِأَنَّ وَضْعَ الْخَشَبِ تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ.
[فَصْل مِلْك وَضْعَ خَشَبِهِ عَلَى حَائِطٍ فَزَالَ بِسُقُوطِهِ أَوْ قَلْعِهِ أَوْ سُقُوطِ الْحَائِطِ ثُمَّ أُعِيدَ]
(٣٥٢٧) فَصْلٌ: وَمَنْ مَلَكَ وَضْعَ خَشَبِهِ عَلَى حَائِطٍ، فَزَالَ بِسُقُوطِهِ، أَوْ قَلْعِهِ أَوْ سُقُوطِ الْحَائِطِ، ثُمَّ أُعِيدَ، فَلَهُ إعَادَةُ خَشَبِهِ، لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُجَوِّزَ لِوَضْعِهِ مُسْتَمِرٌّ، فَاسْتَمَرَّ اسْتِحْقَاقُ ذَلِكَ.
وَإِنْ زَالَ السَّبَبُ، مِثْلُ أَنْ يُخْشَى عَلَى الْحَائِطِ مِنْ وَضْعِهِ عَلَيْهِ، أَوْ اُسْتُغْنِيَ عَنْ وَضْعِهِ، لَمْ تَجُزْ إعَادَتُهُ؛ لِزَوَالِ السَّبَبِ الْمُبِيحِ. وَإِنْ خِيفَ سُقُوطُ الْحَائِطِ بَعْدَ وَضْعِهِ عَلَيْهِ، أَوْ اُسْتُغْنِيَ عَنْ وَضْعِهِ، لَزِمَ إزَالَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِالْمَالِكِ، وَيَزُولُ الْخَشَبُ. وَإِنْ لَمْ يُخَفْ عَلَيْهِ، لَكِنْ اُسْتُغْنِيَ عَنْ إبْقَائِهِ عَلَيْهِ، لَمْ يَلْزَمْ إزَالَتُهُ؛ لِأَنَّ فِي إزَالَتِهِ ضَرَرًا بِصَاحِبِهِ، وَلَا ضَرَرَ عَلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ فِي إبْقَائِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ خَشِيَ سُقُوطَهُ.
[فَصْلٌ كَانَ لَهُ وَضَعَ خَشَبِهِ عَلَى جِدَارِ غَيْرِهِ]
(٣٥٢٨) فَصْلٌ: وَلَوْ كَانَ لَهُ وَضْعُ خَشَبِهِ عَلَى جِدَارِ غَيْرِهِ، لَمْ يَمْلِكْ إعَارَتَهُ وَلَا إجَارَتَهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ لِحَاجَتِهِ الْمَاسَّةِ إلَى وَضْعِ خَشَبِهِ، وَلَا حَاجَةَ لَهُ إلَى وَضْعِ خَشَبِ غَيْرِهِ، فَلَمْ يَمْلِكْهُ. وَكَذَلِكَ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ حَقِّهِ مِنْ وَضْعِ خَشَبِهِ، وَلَا الْمُصَالَحَةَ عَنْهُ لِلْمَالِكِ وَلَا لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أُبِيحَ لَهُ مِنْ حَقِّ غَيْرِهِ لِحَاجَتِهِ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ فِيهِ، كَطَعَامِ غَيْرِهِ إذَا أُبِيحَ لَهُ مِنْ أَجْلِ الضَّرُورَةِ، وَلَوْ أَرَادَ صَاحِبُ الْحَائِطِ إعَارَةَ الْحَائِطِ، أَوْ إجَارَتَهُ عَلَى وَجْهٍ يَمْنَعُ هَذَا الْمُسْتَحِقَّ مِنْ وَضْعِ خَشَبِهِ، لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى مَنْعِ ذِي الْحَقِّ مِنْ حَقِّهِ، فَلَمْ يَمْلِكْهُ، كَمَنْعِهِ.
وَلَوْ أَرَادَ هَدْمَ الْحَائِطِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ الْحَقِّ. وَإِنْ احْتَاجَ إلَى هَدْمِهِ لِلْخَوْفِ مِنْ انْهِدَامِهِ، أَوْ لِتَحْوِيلِهِ إلَى مَكَان آخَرَ أَوْ لِغَرَضِ صَحِيحٍ مَلَكَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute