[مَسْأَلَةٌ زَوَّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ الْبِكْرَ فَوَضَعَهَا فِي كَفَاءَةٍ]
(٥٢٠٠) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَإِذَا زَوَّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ الْبِكْرَ، فَوَضَعَهَا فِي كَفَاءَةٍ، فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ، وَإِنْ كَرِهَتْ، كَبِيرَةً كَانَتْ أَوْ صَغِيرَةً. أَمَّا الْبِكْرُ الصَّغِيرَةُ، فَلَا خِلَافَ فِيهَا. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ نِكَاحَ الْأَبِ ابْنَتَهُ الْبِكْرَ الصَّغِيرَةَ جَائِزٌ، إذَا زَوَّجَهَا مِنْ كُفْءٍ، وَيَجُوزُ لَهُ تَزْوِيجُهَا مَعَ كَرَاهِيَتِهَا وَامْتِنَاعِهَا. وَقَدْ دَلَّ عَلَى جَوَازِ تَزْوِيجِ الصَّغِيرَةِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: ٤] فَجَعَلَ لِلَّائِي لَمْ يَحِضْنَ عِدَّةَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَلَا تَكُونُ الْعِدَّةُ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ إلَّا مِنْ طَلَاقٍ فِي نِكَاحٍ أَوْ فَسْخٍ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا تُزَوَّجُ وَتَطْلُقُ، وَلَا إذْنَ لَهَا فَيُعْتَبَرُ
وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: «تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا ابْنَةُ سِتٍّ، وَبَنَى بِي وَأَنَا ابْنَةُ تِسْعٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي تِلْكَ الْحَالِ مِمَّنْ يُعْتَبَرُ إذْنُهَا. وَرَوَى الْأَثْرَمُ، أَنَّ قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ تَزَوَّجَ ابْنَةَ الزُّبَيْرِ حِين نَفِسَتْ، فَقِيلَ لَهُ، فَقَالَ: ابْنَةُ الزُّبَيْرِ إنْ مِتّ وَرِثَتْنِي، وَإِنْ عِشْت كَانَتْ امْرَأَتِي. وَزَوَّجَ عَلِيٌّ ابْنَتَهُ أُمَّ كُلْثُومٍ وَهِيَ صَغِيرَةٌ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَأَمَّا الْبِكْرُ الْبَالِغَةُ الْعَاقِلَةُ، فَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، لَهُ إجْبَارُهَا عَلَى النِّكَاحِ، وَتَزْوِيجُهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا، كَالصَّغِيرَةِ
وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ وَالثَّانِيَةُ، لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ. وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَكَيْفَ إذْنُهَا؟ قَالَ: أَنْ تَسْكُتَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ جَارِيَةً بِكْرًا، أَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَتْ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ، فَخَيَّرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.» وَلِأَنَّهَا جَائِزَةُ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهَا، فَلَمْ يَجُزْ إجْبَارُهَا، كَالثَّيِّبِ، وَالرَّجُلِ
وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى، مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.
فَلَمَّا قَسَمَ النِّسَاءَ قِسْمَيْنِ، وَأَثْبَتَ الْحَقَّ لِأَحَدِهِمَا، دَلَّ عَلَى نَفْيِهِ عَنْ الْآخَرِ، وَهِيَ الْبِكْرُ فَيَكُونُ وَلِيُّهَا أَحَقَّ مِنْهَا بِهَا، وَدَلَّ الْحَدِيثُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute