للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الْإِحْرَامِ، ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَعَلِمَ الْعَبْدُ بِرُجُوعِهِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، فَهُوَ كَمَنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ. وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى أَحْرَمَ، فَهَلْ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ مَنْ أَحْرَمَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، بِنَاءً عَلَى الْوَكِيلِ، هَلْ يَنْعَزِلُ بِالْعَزْلِ قَبْلَ الْعِلْمِ، عَلَى رِوَايَتَيْنِ.

[فَصْل نَذْر الْعَبْد لِلْحَجِّ]

(٢٢٥٤) الْفَصْل الثَّانِي: إذَا نَذَرَ الْعَبْدُ الْحَجَّ، صَحَّ نَذْرُهُ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ، فَانْعَقَدَ نَذْرُهُ كَالْحُرِّ وَلِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ مِنْ الْمُضِيِّ فِيهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ حَقِّ سَيِّدِهِ الْوَاجِبِ، فَمُنِعَ مِنْهُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَنْذُرْ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ حَامِدٍ.

وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُعْجِبُنِي مَنْعُهُ مِنْ الْوَفَاءِ بِهِ. وَذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ أَدَاءِ الْوَاجِبِ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْكَرَاهَةِ، لَا عَلَى التَّحْرِيمِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا، وَيَحْتَمِلُ التَّحْرِيمَ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ، فَلَمْ يَمْلِكْ مَنْعَهُ مِنْهُ كَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. فَإِنْ أُعْتِقَ، لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ بَعْدَ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ. فَإِنْ أَحْرَمَ بِهِ أَوَّلًا انْصَرَفَ إلَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، كَالْحُرِّ إذَا نَذَرَ حَجًّا.

[فَصْل فِي جِنَايَات الْعَبْد فِي إحْرَامه]

(٢٢٥٥) الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي جِنَايَاتِهِ: وَمَا جَنَى عَلَى إحْرَامِهِ لَزِمَهُ حُكْمَهُ. وَحُكْمُهُ فِيمَا يَلْزَمُهُ حُكْمُ الْحُرِّ الْمُعْسِرِ فَرْضُهُ الصِّيَامُ.

وَإِنْ تَحَلَّلَ بِحَصْرِ عَدُوٍّ، أَوْ حَلَّلَهُ سَيِّدُهُ، فَعَلَيْهِ الصِّيَامُ، لَا يَتَحَلَّلُ قَبْلَ فِعْلِهِ كَالْحُرِّ، وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّوْمِ. نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَوْمٌ وَاجِبٌ، أَشْبَهَ صَوْمَ رَمَضَانَ. فَإِنْ مَلَّكَهُ السَّيِّدُ هَدْيًا، وَأَذِنَ لَهُ فِي إهْدَائِهِ، وَقُلْنَا: إنَّهُ يَمْلِكُهُ. فَهُوَ كَالْهَدْيِ الْوَاجِبِ، لَا يَتَحَلَّلُ إلَّا بِهِ.

وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُهُ. فَفَرْضُهُ الصِّيَامُ. وَإِنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي تَمَتُّعٍ أَوْ قِرَانٍ، فَعَلَيْهِ الصِّيَامُ بَدَلًا عَنْ الْهَدْيِ الْوَاجِبِ بِهِمَا. وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ عَلَى سَيِّدِهِ تَحَمُّلَ ذَلِكَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ بِإِذْنِهِ، فَكَانَ عَلَى مَنْ أَذِنَ فِيهِ، كَمَا لَوْ فَعَلَهُ النَّائِبُ بِإِذْنِ الْمُسْتَنِيبِ. وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ لِلْعَبْدِ، وَهَذَا مِنْ مُوجِبَاتِهِ، فَيَكُونُ عَلَيْهِ، كَالْمَرْأَةِ إذَا حَجَّتْ بِإِذْنِ زَوْجِهَا. وَيُفَارِقُ مَنْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ؛ فَإِنَّ الْحَجَّ لِلْمُسْتَنِيبِ فَمُوجِبُهُ عَلَيْهِ.

وَإِنْ تَمَتَّعَ أَوْ قَارَنَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، فَالصِّيَامُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ. وَإِنْ أَفْسَدَ حَجَّهُ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ، فَهُوَ كَالْمُعْسِرِ مِنْ الْأَحْرَارَ.

[فَصْل إذَا وَطِئَ الْعَبْد فِي إحْرَامه قَبْل التَّحَلُّل الْأَوَّل]

(٢٢٥٦) الْفَصْلُ الرَّابِعُ: إذَا وَطِئَ الْعَبْدُ فِي إحْرَامِهِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ، فَسَدَ، وَيَلْزَمُهُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ، كَالْحُرِّ، لَكِنْ إنْ كَانَ الْإِحْرَامُ مَأْذُونًا فِيهِ، فَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ إخْرَاجُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ صَحِيحِهِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ فَاسِدِهِ، وَإِنْ كَانَ الْإِحْرَامُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَلَهُ تَحْلِيلُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ تَحْلِيلَهُ مِنْ صَحِيحِهِ، فَالْفَاسِدُ أَوْلَى، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، سَوَاءٌ كَانَ الْإِحْرَامُ مَأْذُونًا فِيهِ، أَوْ غَيْرَ مَأْذُونٍ، وَيَصِحُّ الْقَضَاءُ فِي حَالِ رِقِّهِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ فِيهِ، فَصَحَّ مِنْهُ، كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ. ثُمَّ إنْ كَانَ الْإِحْرَامُ الَّذِي أَفْسَدَهُ مَأْذُونًا فِيهِ، فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ قَضَائِهِ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ فِي الْحَجِّ الْأَوَّلِ إذْنٌ فِي مُوجِبِهِ وَمُقْتَضَاهُ، وَمِنْ مُوجِبِهِ الْقَضَاءُ لِمَا أَفْسَدَهُ. فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ غَيْرَ مَأْذُونٍ فِيهِ، احْتَمَلَ أَنْ لَا يَمْلِكَ مَنْعَهُ مِنْ قَضَائِهِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ، وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ مَنْعُهُ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>