[مَسْأَلَةٌ ذَبَحَ الْأُضْحِيَّةَ قَبْل الصَّلَاة]
(٧٨٨٦) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ فَإِنْ ذَبَحَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِئْهُ، وَلَزِمَهُ الْبَدَلُ وَذَلِكَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيُعِدْ مَكَانَهَا أُخْرَى» . وَلِأَنَّهَا نَسِيكَةٌ وَاجِبَةٌ، ذَبَحَهَا قَبْلَ وَقْتِهَا، فَلَزِمَهُ بَدَلُهَا، كَالْهَدْيِ إذَا ذَبَحَهُ قَبْلَ مَحِلِّهِ. وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ بَدَلُهَا مِثْلَهَا أَوْ خَيْرًا مِنْهَا؛ لِأَنَّ ذَبْحَهَا قَبْلَ مَحِلِّهَا إتْلَافٌ لَهَا. وَكَلَامُ الْخِرَقِيِّ، وَمَنْ أَطْلَقَ مِنْ أَصْحَابِنَا، مَحْمُولٌ عَلَى الْأُضْحِيَّةِ الْوَاجِبَةِ بِنَذْرٍ أَوْ تَعْيِينٍ، فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ وَاجِبَةٍ بِوَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ، فَهِيَ شَاةُ لَحْمٍ، وَلَا بَدَلَ عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يَشَاءَ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ التَّطَوُّعَ فَأَفْسَدَهُ، فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ بَدَلُهُ، كَمَا لَوْ خَرَجَ بِصَدَقَةِ تَطَوُّعٍ فَدَفَعَهَا إلَى غَيْرِ مُسْتَحِقِّهَا، وَالْحَدِيثُ يُحْمَلُ عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ؛ إمَّا النَّدْبُ، وَإِمَّا عَلَى التَّخْصِيصِ بِمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ؛ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا.
فَأَمَّا الشَّاةُ الْمَذْبُوحَةُ، فَهِيَ شَاةُ لَحْمٍ، كَمَا وَصَفَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعْنَاهُ يَصْنَعُ بِهَا مَا شَاءَ، كَشَاةٍ ذَبَحَهَا لِلَحْمِهَا، لَا لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّ هَذِهِ إنْ كَانَتْ وَاجِبَةً، فَقَدْ لَزِمَهُ إبْدَالُهَا، وَذَبْحُ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا، فَخَرَجَتْ هَذِهِ عَنْ كَوْنِهَا وَاجِبَةً، كَالْهَدْيِ الْوَاجِبِ، إذَا عَطِبَ دُونَ مَحِلِّهِ، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا، فَقَدْ أَخْرَجَهَا بِذَبْحِهِ إيَّاهَا قَبْلَ مَحِلِّهَا عَنْ الْقُرْبَةِ، فَبَقِيَتْ مُجَرَّدَ شَاةِ لَحْمٍ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهَا حُكْمَ الْأُضْحِيَّةِ، كَالْهَدْيِ إذَا عَطِبَ؛ لَا يَخْرُجُ عَنْ حُكْمِ الْهَدْيِ عَلَى رِوَايَةٍ، وَيَكُونُ، مَعْنَى قَوْلِهِ " شَاةُ لَحْمٍ ". أَيْ فِي فَضْلِهَا وَثَوَابِهَا خَاصَّةً، دُونَ مَا يَصْنَعُ بِهَا.
[مَسْأَلَة لَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَذْبَحَهَا إلَّا مُسْلِمٌ الْأُضْحِيَّةِ]
(٧٨٨٧) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَلَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَذْبَحَهَا إلَّا مُسْلِمٌ، وَإِنْ ذَبَحَهَا بِيَدِهِ كَانَ أَفْضَلَ وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَذْبَحَ الْأُضْحِيَّةَ إلَّا مُسْلِمٌ؛ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ، فَلَا يَلِيهَا غَيْرُ أَهْلِ الْقُرْبَةِ، وَإِنْ اسْتَنَابَ ذِمِّيًّا فِي ذَبْحِهَا، جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ. وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ، لَا يَجُوزُ أَنْ يَذْبَحَهَا إلَّا مُسْلِمٌ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَمِمَّنْ كَرِهَ ذَلِكَ عَلِيٌّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ. وَقَالَ جَابِرٌ: لَا يَذْبَحُ النُّسُكَ إلَّا مُسْلِمٌ؛ لِمَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الطَّوِيلِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " وَلَا يَذْبَحْ ضَحَايَاكُمْ إلَّا طَاهِرٌ ". وَلِأَنَّ الشُّحُومَ تَحْرُمُ عَلَيْنَا مِمَّا يَذْبَحُونَهُ عَلَى رِوَايَةٍ، فَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ إتْلَافِهِ.
وَلَنَا، أَنَّ مَنْ جَازَ لَهُ ذَبْحُ غَيْرِ الْأُضْحِيَّةِ، جَازَ لَهُ ذَبْحُ الْأُضْحِيَّةِ، كَالْمُسْلِمِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّى الْكَافِرُ مَا كَانَ قُرْبَةً لِلْمُسْلِمِ، كَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ، وَلَا نُسَلِّمُ تَحْرِيمَ الشُّحُومِ عَلَيْنَا بِذَبْحِهِمْ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَذْبَحَهَا الْمُسْلِمُ لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ. وَإِنْ ذَبَحَهَا بِيَدِهِ كَانَ أَفْضَلَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute