أَسْبِقْكُمْ بِهِ إذَا رَكَعْتُ تُدْرِكُونِي بِهِ إذَا رَفَعْتُ» .
وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا. وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ. وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَوْلُهُ: " فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا "، يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ رُكُوعُهُمْ بَعْدَ رُكُوعِهِ؛ لِأَنَّهُ عَقَّبَهُ بِهِ بِفَاءِ التَّعْقِيبِ، فَيَكُونُ بَعْدَهُ، كَقَوْلِك: جَاءَ زَيْدٌ فَعَمْرٌو. أَيْ جَاءَ بَعْدَهُ. وَإِنْ وَافَقَ إمَامَهُ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ، فَرَكَعَ وَسَجَدَ مَعَهُ، أَسَاءَ، وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ.
(٧٣٥) فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْبِقَ إمَامَهُ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ وَلَا بِالسُّجُودِ؛ وَلَا بِالْقِيَامِ، وَلَا بِالِانْصِرَافِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَمَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْأَخْبَارِ فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَلِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهُ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْبِقَهُ، كَمَا فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ. فَإِنْ سَبَقَ إمَامَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْفَعَ لِيَأْتِيَ بِذَلِكَ مُؤْتَمًّا بِإِمَامِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: إذَا رَفَعَ أَحَدُكُمْ رَأْسَهُ، وَالْإِمَامُ سَاجِدٌ، فَلْيَسْجُدْ، وَإِذَا رَفَعَ الْإِمَامُ بِرَأْسِهِ فَلْيَمْكُثْ قَدْرَ مَا رَفَعَ. فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى لَحِقَهُ الْإِمَامُ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ هَذَا سَبْقٌ يَسِيرٌ.
وَإِنْ سَبَقَ إمَامَهُ عَمْدًا عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ، فَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِسَالَتِهِ: لَيْسَ لِمَنْ سَبَقَ الْإِمَامَ صَلَاةٌ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ» . وَلَوْ كَانَتْ لَهُ صَلَاةٌ لَرَجَا لَهُ الثَّوَابَ، وَلَمْ يَخْشَ عَلَيْهِ الْعِقَابَ. وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ نَظَرَ إلَى مَنْ سَبَقَ الْإِمَامَ، فَقَالَ: لَا وَحْدَك صَلَّيْتَ، وَلَا بِإِمَامِك اقْتَدَيْتَ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ نَحْوٌ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: وَأَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ. لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالرُّكْنِ مُؤْتَمًّا بِإِمَامِهِ. فَأَشْبَهَ مَا لَوْ سَبَقَهُ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ أَوْ السَّلَامِ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: فِي ذَلِكَ وَجْهَانِ. قَالَ الْقَاضِي: عِنْدِي أَنَّهُ تَصِحُّ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ مَعَهُ فِي الرُّكْنِ، فَصَحَّتْ صَلَاتُهُ، كَمَا لَوْ رَكَعَ مَعَهُ ابْتِدَاءً.
[فَصْلٌ رَكَعَ وَرَفَعَ قَبْلَ رُكُوعِ إمَامِهِ]
(٧٣٦) فَصْلٌ: فَإِنْ رَكَعَ وَرَفَعَ قَبْلَ رُكُوعِ إمَامِهِ. فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إنْ فَعَلَهُ عَمْدًا فَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ سَبَقَهُ بِرُكْنٍ وَاحِدٍ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ رَكَعَ قَبْلَهُ حَسْبُ. وَإِنْ فَعَلَهُ سَهْوًا فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ. وَهَلْ يَعْتَدُّ بِتِلْكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute