للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَّا أَنَّ أَيْمَانَهُمْ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، لِأَنَّهَا عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ. وَإِنْ اخْتَلَفَ الْمُرْتَهِنُ وَوَرَثَةُ الرَّاهِنِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ، قُضِيَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ.

[فَصْلٌ تَصَرَّفَ الرَّاهِنُ فِي الْمَرْهُون بِغَيْرِ الْعِتْق]

(٣٣٣٥) فَصْلٌ: وَإِنْ تَصَرَّفَ الرَّاهِنُ بِغَيْرِ الْعِتْقِ، كَالْبَيْعِ، وَالْإِجَارَةِ، وَالْهِبَةِ، وَالْوَقْفِ، وَالرَّهْنِ، وَغَيْرِهِ، فَتَصَرُّفُهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ يُبْطِلُ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ مِنْ الْوَثِيقَةِ، غَيْرُ مَبْنِيٍّ عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ، فَلَمْ يَصِحَّ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ، كَفَسْخِ الرَّهْنِ. فَإِنْ أَذِنَ فِيهِ الْمُرْتَهِنُ، صَحَّ، وَبَطَلَ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ فِيمَا يُنَافِي حَقَّهُ، فَيَبْطُلُ بِفِعْلِهِ، كَالْعِتْقِ. وَإِنْ زَوَّجَ الْأَمَةَ الْمَرْهُونَةَ، لَمْ يَصِحَّ.

وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي الْخَطَّابِ وَقَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَقَالَ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: يَصِحُّ، وَلِلْمُرْتَهِنِ مَنْعُ الزَّوْجِ مِنْ وَطْئِهَا، وَمَهْرُهَا رَهْنٌ مَعَهَا. وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ مَحَلَّ النِّكَاحِ غَيْرُ مَحَلِّ عَقْدِ الرَّهْنِ، وَلِذَلِكَ صَحَّ رَهْنُ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ، وَلِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ، فَلَا يَمْنَعُ التَّزْوِيجَ، كَالْإِجَارَةِ

وَلَنَا، أَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي الرَّهْنِ بِمَا يُنْقِصُ ثَمَنَهُ، وَيَسْتَغِلُّ بَعْضَ مَنَافِعِهِ، فَلَمْ يَمْلِكْهُ الرَّاهِنُ بِغَيْرِ رِضَا الْمُرْتَهِنِ، كَالْإِجَارَةِ، وَلَا يُخْفِي تَنْقِيصَهُ لِثَمَنِهَا، فَإِنَّهُ يُعَطِّلُ مَنَافِعَ بَعْضِهَا، وَيَمْنَعُ مُشْتَرِيَهَا مِنْ وَطْئِهَا وَحِلِّهَا، وَيُوجِبُ عَلَيْهِ تَمْكِينَ زَوْجِهَا مِنْ اسْتِمْتَاعِهَا فِي اللَّيْلِ، وَيُعَرِّضُهَا بِوَطْئِهِ لِلْحَمْلِ الَّذِي يُخَافُ مِنْهُ تَلَفُهَا، وَيَشْغَلُهَا عَنْ خِدْمَتِهِ بِتَرْبِيَةِ وَلَدِهَا، فَتَذْهَبُ الرَّغْبَةُ فِيهَا، وَتَنْقُصُ نَقْصًا كَثِيرًا، وَرُبَّمَا مَنَعَ بَيْعَهَا بِالْكُلِّيَّةِ

وَقَوْلُهُمْ: إنَّ مَحِلَّ عَقْدِ النِّكَاحِ غَيْرُ مَحِلِّ الرَّهْنِ. غَيْرُ صَحِيحٍ؛ فَإِنَّ مَحِلَّ الرَّهْنِ مَحِلُّ الْبَيْعِ، وَالْبَيْعُ يَتَنَاوَلُ جُمْلَتَهَا، وَلِهَذَا يُبَاحُ لِمُشْتَرِيهَا اسْتِمْتَاعُهَا، وَإِنَّمَا صَحَّ رَهْنُ الْمُزَوَّجَةِ لِبَقَاءِ مُعْظَمِ الْمَنْفَعَةِ فِيهَا، وَبَقَائِهَا مَحِلًّا لِلْبَيْعِ، كَمَا يَصِحُّ رَهْنُ الْمُسْتَأْجَرَةِ، وَيُفَارِقُ الرَّهْنُ الْإِجَارَةَ؛ فَإِنَّ التَّزْوِيجَ لَا يُؤَثِّرُ فِي مَقْصُودِ الْإِجَارَةِ، وَلَا يَمْنَعُ الْمُسْتَأْجِرَ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ الْمُسْتَحَقَّةِ لَهُ، وَيُؤَثِّرُ فِي مَقْصُودِ الرَّهْنِ، وَهُوَ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهَا، فَإِنَّ تَزْوِيجَهَا يَمْنَعُ بَيْعَهَا، أَوْ يَنْقُصُ ثَمَنَهَا، فَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ بِكَمَالِهِ.

[فَصْلٌ وَطْءُ أَمَتِهِ الْمَرْهُونَة]

(٣٣٣٦) فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ لِلرَّاهِنِ وَطْءُ أَمَتِهِ الْمَرْهُونَةِ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَهُ وَطْءُ الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ؛ فَإِنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ الْخَوْفُ مِنْ الْحَمْلِ، مَخَافَةَ أَنْ تَلِدَ مِنْهُ، فَتَخْرُجَ بِذَلِكَ عَنْ الرَّهْنِ، أَوْ تَتَعَرَّضَ لِلتَّلَفِ، وَهَذَا مَعْدُومٌ فِيهِمَا. وَأَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى خِلَافِ هَذَا.

قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ مَنَعَ الرَّاهِنِ مِنْ وَطْءِ أَمَتِهِ الْمَرْهُونَةِ. وَلِأَنَّ سَائِرَ مَنْ يَحْرُمُ وَطْؤُهَا لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ وَغَيْرِهِمَا، كَالْمُعْتَدَّةِ وَالْمُسْتَبْرَأَةِ وَالْأَجْنَبِيَّةِ، وَلِأَنَّ الَّذِي تَحْبَلُ فِيهِ يَخْتَلِفُ، وَلَا يَنْحَزِرُ، فَمُنِعَ مِنْ الْوَطْءُ جُمْلَةً، كَمَا حُرِّمَ الْخَمْرُ لِلسُّكْرِ، وَحُرِّمَ مِنْهُ الْيَسِيرُ الَّذِي لَا يُسْكِرُ، لِكَوْنِ السُّكْرِ يَخْتَلِفُ. وَإِنْ وَطِئَ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ، وَإِنَّمَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ لِعَارِضٍ، كَالْمُحْرِمَةِ وَالصَّائِمَةِ، وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا حَقَّ لَهُ فِي مَنْفَعَتِهَا،

<<  <  ج: ص:  >  >>