للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[بَابُ التَّيَمُّمِ]

التَّيَمُّمُ فِي اللُّغَةِ الْقَصْدُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: ٢٦٧] . وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

تَيَمَّمْت لِلْعَيْنِ الَّتِي عِنْدَ ضَارِجٍ ... يَفِيءُ عَلَيْهَا الظِّلُّ عَرْمَضُهَا طَامِي

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: ٦] . أَيْ: اقْصِدُوهُ. ثُمَّ نُقِلَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ إلَى مَسْحِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّعِيدِ. وَهُوَ جَائِزٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، أَمَّا الْكِتَابُ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: ٦] . وَأَمَّا السُّنَّةُ، فَحَدِيثُ عَمَّارٍ وَغَيْرِهِ، وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ، فَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى جَوَازِ التَّيَمُّمِ فِي الْجُمْلَةِ.

[مَسْأَلَةٌ يُتَيَمَّمُ فِي قَصِيرِ السَّفَرِ وَطَوِيلِهِ]

(٣٢٩) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: أَبُو الْقَاسِمِ (وَيَتَيَمَّمُ فِي قَصِيرِ السَّفَرِ وَطَوِيلِهِ) . طَوِيلُ السَّفَرِ: مَا يُبِيحُ الْقَصْرَ وَالْفِطْرَ، وَقَصِيرُهُ: مَا دُونَ ذَلِكَ، مِمَّا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ سَفَرٍ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ مُتَقَارِبَتَيْنِ أَوْ مُتَبَاعِدَتَيْنِ. قَالَ الْقَاضِي: لَوْ خَرَجَ إلَى ضَيْعَةٍ لَهُ، فَفَارَقَ الْبُنْيَانَ وَالْمَنَازِلَ، وَلَوْ بِخَمْسِينَ خُطْوَةً جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ، وَالصَّلَاةُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ لِلضَّرُورَةِ،

فَيُبَاحُ لَهُ التَّيَمُّمُ فِيهِمَا جَمِيعًا. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ. وَقَدْ قِيلَ: لَا يُبَاحُ إلَّا فِي السَّفَرِ الطَّوِيلِ. وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [المائدة: ٦] إلَى قَوْلِهِ: {فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: ٦] يَدُلُّ بِمُطْلَقِهِ عَلَى إبَاحَةِ التَّيَمُّمِ فِي كُلِّ سَفَرٍ؛ وَلِأَنَّ السَّفَرَ الْقَصِيرَ يَكْثُرُ، فَيَكْثُرُ عَدَمُ الْمَاءِ فِيهِ، فَيُحْتَاجُ إلَى التَّيَمُّمِ فِيهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْقُطَ بِهِ الْفَرْضُ، كَالطَّوِيلِ.

[فَصْلٌ لَا فَرْقَ بَيْنَ سَفَرِ الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ فِي التَّيَمُّمِ]

(٣٣٠) فَصْلٌ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ سَفَرِ الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ عَزِيمَةٌ، فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الرُّخَصِ؛ وَلِأَنَّهُ حُكْمٌ لَا يَخْتَصُّ بِالسَّفَرِ، فَأُبِيحَ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ، كَمَسْحِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ.

[فَصْلٌ عَدَمُ الْمَاءِ فِي الْحَضَرِ]

(٣٣١) فَصْلٌ: فَإِنْ عَدِمَ الْمَاءَ فِي الْحَضَرِ، بِأَنْ انْقَطَعَ الْمَاءُ عَنْهُمْ، أَوْ حُبِسَ فِي مِصْرٍ، فَعَلَيْهِ التَّيَمُّمُ وَالصَّلَاةُ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: لَا يُصَلِّي؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى

<<  <  ج: ص:  >  >>