للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْل أُوجِبَ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ]

(٥٦٠١) فَصْلٌ: وَمَنْ أَوْجَبَ لَهَا نِصْفَ الْمَهْرِ، لَمْ تَجِبْ لَهَا مُتْعَةٌ، سَوَاءٌ كَانَتْ مِمَّنْ سُمِّيَ لَهَا صَدَاقٌ أَوْ لَمْ يُسَمَّ لَهَا لَكِنْ فُرِضَ بَعْدَ الْعَقْدِ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، فِي مَنْ سُمِّيَ لَهَا. وَهُوَ قَدِيمُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ: لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مَتَاعٌ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَالْحَسَنِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَأَبِي قِلَابَةَ، وَالزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَالضَّحَّاكِ، وَأَبِي ثَوْرٍ؛ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: ٢٤١] .

وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {قُلْ لأَزْوَاجِكَ} [الأحزاب: ٢٨] إلَى قَوْلِهِ {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا} [الأحزاب: ٢٨] وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مَتَاعٌ، سَوَاءٌ كَانَتْ مُفَوِّضَةً أَوْ مُسَمًّى لَهَا، مَدْخُولًا بِهَا أَوْ غَيْرَهَا؛ لِمَا ذَكَرْنَا. وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمُتْعَةَ لَا تَجِبُ إلَّا لِلْمُفَوِّضَةِ الَّتِي لَمْ يُدْخَلْ بِهَا إذَا طَلُقَتْ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: كُلُّ مَنْ رَوَى عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فِيمَا أَعْلَمُ، رَوَى عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِالْمُتْعَةِ إلَّا لِمَنْ لَمْ يُسَمَّ لَهَا مَهْرٌ، إلَّا حَنْبَلًا، فَإِنَّهُ رَوَى عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مَتَاعًا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدِي لَوْلَا تَوَاتُرُ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ بِخِلَافِهَا.

وَلَنَا: قَوْله تَعَالَى {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ} [البقرة: ٢٣٦] . ثُمَّ قَالَ: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: ٢٣٧] . فَخَصَّ الْأُولَى بِالْمُتْعَةِ، وَالثَّانِيَةَ بِنِصْفِ الْمَفْرُوضِ، مَعَ تَقْسِيمِهِ النِّسَاءَ قِسْمَيْنِ، وَإِثْبَاتِهِ لِكُلِّ قِسْمٍ حُكْمًا، فَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى اخْتِصَاصِ كُلِّ قِسْمٍ بِحُكْمِهِ، وَهَذَا يَخُصُّ مَا ذَكَرُوهُ.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُحْمَلَ الْأَمْرُ بِالْمَتَاعِ فِي غَيْرِ الْمُفَوِّضَةِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ؛ لِدَلَالَةِ الْآيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا عَلَى نَفْيِ وُجُوبِهَا، جَمْعًا بَيْنَ دَلَالَةِ الْآيَاتِ وَالْمَعْنَى، فَإِنَّهُ عِوَضٌ وَاجِبٌ فِي عَقْدٍ، فَإِذَا سُمِّيَ فِيهِ عِوَضٌ صَحِيحٌ، لَمْ يَجِبْ غَيْرُهُ، كَسَائِرِ عُقُودِ الْمُعَاوَضَةِ، وَلِأَنَّهَا لَا تَجِبُ لَهَا الْمُتْعَةُ قَبْلَ الْفُرْقَةِ، وَلَا مَا يَقُومُ مَقَامَهَا، فَلَمْ تَجِبْ لَهَا عِنْدَ الْفُرْقَةِ، كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا.

[فَصْلٌ طَلَّقَ الْمُسَمَّى لَهَا أَوْ الْمُفَوِّضَةَ الْمَفْرُوضَ لَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ]

فَصْلٌ: وَلَوْ طَلَّقَ الْمُسَمَّى لَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ، أَوْ الْمُفَوِّضَةَ الْمَفْرُوضَ لَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ، فَلَا مُتْعَةَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إلَّا عَلَى رِوَايَةِ حَنْبَلٍ. وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ، وَذَكَرْنَا قَوْلَ مَنْ ذَهَبَ إلَيْهِ. وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا مُتْعَةَ لَوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَلِلشَّافِعِي قَوْلَانِ، كَالرِّوَايَتَيْنِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُمَتِّعَهُمَا. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فَقَالَ: أَنَا أُوجِبُهَا عَلَى مَنْ لَمْ يُسَمِّ لَهَا صَدَاقًا،

<<  <  ج: ص:  >  >>