الْعِلْمِ. {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: ٣] . أَيْ إعْلَامٌ. {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: ٢٧٩] . فَاعْلَمُوا بِهِ.
وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ الْإِذْنِ، يَعْنِي أَوْقَعْته فِي إذْنِك، وَأَعْلَمْتُك بِهِ. وَمَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ لَا يَكُونُ إعْلَامًا، فَلَا يَكُونُ إذْنًا، وَلِأَنَّ إذْنَ الشَّارِعِ فِي أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ، لَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِهَا، كَذَلِكَ إذْنُ الْآدَمِيِّ، وَعَلَى هَذَا يُمْنَعُ وُجُودُ الْإِذْنِ مِنْ جِهَتِهِ.
[فَصْلٌ: حَلَفَ عَلَيْهَا أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ إلَّا بِإِذْنِهِ فَصَعِدَتْ سَطْحهَا]
(٨١٢٩) فَصْلٌ: فَإِنْ حَلَفَ عَلَيْهَا أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ إلَّا بِإِذْنِهِ، فَصَعِدَتْ سَطْحَهَا، أَوْ خَرَجَتْ إلَى صَحْنِهَا، لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ مِنْ الدَّارِ. وَإِنْ حَلَفَ لَا تَخْرُجُ مِنْ الْبَيْتِ، فَخَرَجَتْ إلَى الصَّحْنِ، أَوْ إلَى سَطْحِهِ، حَنِثَ. وَهَذَا مُقْتَضَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَلَوْ حَلَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ لَا تَخْرُجُ، ثُمَّ حَمَلَهَا فَأَخْرَجَهَا، فَإِنْ أَمْكَنَهَا الِامْتِنَاعُ فَلَمْ تَمْتَنِعْ، حَنِثَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ، إنَّمَا أُخْرِجَتْ.
وَلَنَا، أَنَّهَا خَرَجَتْ مُخْتَارَةً، فَحَنِثَ، كَمَا لَوْ أَمَرَتْ مَنْ حَمَلَهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى خُرُوجِهَا، أَنَّ الْخُرُوجَ الِانْفِصَالُ مِنْ دَاخِلٍ إلَى خَارِجٍ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ. وَمَا ذَكَرَهُ يَبْطُلُ بِمَا إذَا أَمَرَتْ مَنْ حَمَلَهَا، فَأَمَّا إنْ لَمْ يُمْكِنْهَا الِامْتِنَاعُ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَحْنَثَ. وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ لَا يُنْسَبُ إلَيْهَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ حَمَلَهَا غَيْرُ الْحَالِفِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَحْنَثَ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ لِفِعْلِ مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ. وَإِنْ حَلَفَ لَا تَخْرُجِي إلَّا بِإِذْنِ زَيْدٍ، فَمَاتَ زَيْدٌ وَلَمْ يَأْذَنْ، فَخَرَجَتْ، حَنِثَ الْحَالِفُ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ عَلَى شَرْطٍ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَلَا يَجُوزُ فِعْلُ الْمَشْرُوطِ.
[مَسْأَلَةٌ: حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ هَذَا الرُّطَبَ فَأَكَلَهُ تَمْرًا]
(٨١٣٠) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ هَذَا الرُّطَبَ، فَأَكَلَهُ تَمْرًا، حَنِثَ. وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا تَوَلَّدَ مِنْ ذَلِكَ الرُّطَبِ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ عَيَّنَهُ بِالْإِشَارَةِ، مِثْلَ أَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الرُّطَبَ، لَمْ يَخْلُ مِنْ حَالَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنْ يَأْكُلَهُ رُطَبًا، فَيَحْنَثَ، بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْجَمِيعِ؛ لِكَوْنِهِ فَعَلَ مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ صَرِيحًا. الثَّانِي: أَنْ تَتَغَيَّرَ صِفَتُهُ، وَذَلِكَ يُقَسَّمُ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ؛ أَحَدُهَا، أَنْ تَسْتَحِيلَ أَجْزَاؤُهُ. وَيَتَغَيَّرَ اسْمُهُ، مِثْلَ أَنْ يَحْلِفَ: لَا أَكَلْت هَذِهِ الْبَيْضَةَ. فَصَارَتْ فَرْخًا. أَوْ لَا أَكَلْت هَذِهِ الْحِنْطَةَ. فَصَارَتْ زَرْعًا فَأَكَلَهُ، فَهَذَا لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ زَالَ وَاسْتَحَالَتْ أَجْزَاؤُهُ.
وَعَلَى قِيَاسِهِ، إذَا حَلَفَ: لَا شَرِبْت هَذَا الْخَمْرَ. فَصَارَتْ خَلًّا، فَشَرِبَهُ. الْقِسْمُ الثَّانِي، تَغَيَّرَتْ صِفَتُهُ، وَزَالَ اسْمُهُ، مَعَ بَقَاءِ أَجْزَائِهِ، مِثْلَ أَنْ يَحْلِفَ: لَا آكُلُ هَذَا الرُّطَبَ. فَصَارَ تَمْرًا، وَلَا أُكَلِّمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute