للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا، أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ الْخَبَرَيْنِ، وَلِأَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيْ النُّخَامَةِ، أَشْبَهَ الْآخَرَ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ نَجِسًا نَجُسَ بِهِ الْفَمُ، وَنَقَضَ الْوُضُوءَ، وَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مَعَ عُمُومِ الْبَلْوَى بِهِ - شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُمْ " إنَّهُ طَعَامٌ مُسْتَحِيلٌ فِي الْمَعِدَةِ " غَيْرُ مُسَلَّمٍ، إنَّمَا هُوَ مُنْعَقِدٌ مِنْ الْأَبْخِرَةِ، فَهُوَ كَالنَّازِلِ مِنْ الرَّأْسِ، وَكَالْمُخَاطِ؛ وَلِأَنَّهُ يَشُقُّ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، أَشْبَهَ الْمُخَاطَ. النَّوْعُ الثَّانِي: نَجِسٌ، وَهُوَ الدَّمُ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ مِنْ الْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ، وَمَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَعِدَةِ مِنْ الْقَيْءِ وَالْقَلْسِ، فَهَذَا نَجِسٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ حُكْمِهِ.

الْقِسْمُ الثَّانِي: مَا أُكِلَ لَحْمُهُ، فَالْخَارِجُ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: أَحَدُهَا، نَجِسٌ، وَهُوَ الدَّمُ، وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ. الثَّانِي، طَاهِرٌ، وَهُوَ الرِّيقُ وَالدَّمْعُ وَالْعَرَقُ وَاللَّبَنُ. فَهَذَا لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. الثَّالِثُ: الْقَيْءُ، وَنَحْوُهُ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ بَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ طَعَامٌ مُسْتَحِيلٌ، فَأَشْبَهَ الرَّوْثَ، وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى طَهَارَةِ بَوْلِهِ، فَهَذَا أَوْلَى، وَكَذَلِكَ مَنِيُّهُ. الْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، وَيُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، وَهُوَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: الْكَلْبُ وَالْخِنْزِيرُ، فَهُمَا نَجِسَانِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِمَا وَفَضَلَاتِهِمَا، وَمَا يَنْفَصِلُ عَنْهُمَا. الثَّانِي، مَا عَدَاهُمَا مِنْ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ وَجَوَارِحِ الطَّيْرِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ، فَعَنْ أَحْمَدَ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أَنَّهَا نَجِسَةٌ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا وَفَضَلَاتِهَا، إلَّا أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ نَجَاسَتِهَا. وَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى طَهَارَتِهَا. فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْآدَمِيِّ، عَلَى مَا فُصِّلَ.

الْقِسْمُ الرَّابِعُ: مَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، وَهُوَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا، مَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ، وَهُوَ السِّنَّوْرُ وَمَا دُونَهُ فِي الْخِلْقَةِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْآدَمِيِّ؛ مَا حَكَمْنَا بِنَجَاسَتِهِ مِنْ الْآدَمِيِّ، فَهُوَ مِنْهُ نَجِسٌ. وَمَا حَكَمْنَا بِطَهَارَتِهِ مِنْ الْآدَمِيِّ، فَهُوَ مِنْهُ طَاهِرٌ، إلَّا مَنِيَّهُ، فَإِنَّهُ نَجِسٌ؛ لِأَنَّ مَنِيَّ الْآدَمِيِّ بَدْءُ خَلْقِ آدَمِيٍّ فَشَرُفَ بِتَطْهِيرِهِ، وَهَذَا مَعْدُومٌ هَاهُنَا. النَّوْعُ الثَّانِي، مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ، فَهُوَ طَاهِرٌ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ وَفَضَلَاتِهِ.

[مَسْأَلَة بَوْلُ الْغُلَامِ الَّذِي لَمْ يَأْكُل الطَّعَام]

(٩٨٩) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (إلَّا بَوْلَ الْغُلَامِ الَّذِي لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ، فَإِنَّهُ يُرَشُّ الْمَاءُ عَلَيْهِ) هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، إذْ لَيْسَ مَعْنَى الْكَلَامِ طَهَارَةَ بَوْلِ الْغُلَامِ، إنَّمَا أَرَادَ أَنَّ بَوْلَ الْغُلَامِ الَّذِي لَمْ يَطْعَمْ الطَّعَامَ يُجْزِئُ فِيهِ الرَّشُّ، وَهُوَ أَنْ يَنْضَحَ عَلَيْهِ الْمَاءَ حَتَّى يَغْمُرَهُ، وَلَا يَحْتَاجَ إلَى رَشٍّ وَعَصْرٍ،، وَبَوْلَ الْجَارِيَةِ يُغْسَلُ وَإِنْ لَمْ تَطْعَمْ. وَهَذَا قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَالْحَسَنُ وَالشَّافِعِيُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>