إلَيْهِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى مَوْضِعِ الْوُجُودِ، فَأَشْبَهَ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَجِدُ فِيهِ أَهْلَ السُّهْمَانِ، فَإِنَّهُ يَنْقُلُهَا إلَى أَقْرَبِ مَوْضِعٍ يَجِدُهُمْ فِيهِ.
وَلَنَا، أَنَّ الْوَاجِبَ سَقَطَ لِعُذْرٍ، وَلَمْ يَرِدَ الشَّرْعُ لَهُ بِبَدَلٍ، فَلَا يَجِبُ، كَمَا لَوْ سَقَطَ الْحَجُّ لِلْعَجْزِ عَنْهُ وَفَوَاتِ شَرْطٍ، وَالْمُعْتَكِفُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الِاعْتِكَافِ فِي الْمَسْجِدِ؛ وَلِأَنَّ مَا ذَكَرُوهُ إثْبَاتُ حُكْمٍ بِلَا نَصٍّ، وَلَا مَعْنَى نَصٍّ، فَإِنَّ مَعْنَى الِاعْتِدَادِ فِي بَيْتِهَا لَا يُوجَدُ فِي السُّكْنَى فِيمَا قَرُبَ مِنْهُ، وَيُفَارِقُ أَهْلَ السُّهْمَانِ؛ فَإِنَّ الْقَصْدَ نَفْعُ الْأَقْرَبِ، وَفِي نَقْلِهَا إلَى أَقْرَبِ مَوْضِعٍ يَجِدُهُ نَفْعُ الْأَقْرَبِ، فَوَجَبَ لِذَلِكَ.
[فَصْلٌ السُّكْنَى لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا]
(٦٣٩٤) فَصْلٌ: قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلَا سُكْنَى لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا، إذَا كَانَتْ حَائِلًا. رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَلِلشَّافِعِيِّ فِي سُكْنَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا قَوْلَانِ. وَجْهُ الْوُجُوبِ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة: ٢٤٠] . فَنُسِخَ بَعْضُ الْمُدَّةِ، وَبَقِيَ بَاقِيهَا عَلَى الْوُجُوبِ. وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ فُرَيْعَةَ بِالسُّكْنَى فِي بَيْتِهَا، مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانِ الْوَرَثَةِ، وَلَوْ لَمْ تَجِبْ السُّكْنَى، لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَسْكُنَ إلَّا بِإِذْنِهِمْ، كَمَا أَنَّهَا لَيْسَ لَهَا أَنْ تَتَصَرَّفَ فِي شَيْءٍ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِمْ.
وَلَنَا، أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا جَعَلَ لِلزَّوْجَةِ ثُمْنَ التَّرِكَةَ أَوْ رُبْعَهَا، وَجَعَلَ بَاقِيَهَا لِسَائِرِ الْوَرَثَةِ، وَالْمَسْكَنُ مِنْ التَّرِكَةِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يُسْتَحَقَّ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّهَا بَائِنٌ مِنْ زَوْجِهَا، فَأَشْبَهْت الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ حَامِلًا، وَقُلْنَا: لَهَا السُّكْنَى. فَلِأَنَّهَا حَامِلٌ مِنْ زَوْجِهَا، فَوَجَبَ لَهَا السُّكْنَى. قِيَاسًا عَلَى الْمُطَلَّقَةِ.
فَأَمَّا الْآيَةُ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا، فَإِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، وَأَمَّا أَمْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فُرَيْعَةَ بِالسُّكْنَى، فَقَضِيَّةٌ فِي عَيْنٍ، يَحْتَمِلُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلِمَ أَنَّ الْوَارِثَ يَأْذَنُ فِي ذَلِكَ، أَوْ يَكُونُ الْأَمْرُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ السُّكْنَى عَلَيْهَا، وَيَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِالْإِمْكَانِ، وَإِذْنُ الْوَارِثِ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَحْصُلُ الْإِمْكَانُ بِهِ، فَإِذَا قُلْنَا لَهَا السُّكْنَى فَهِيَ أَحَقُّ بِسُكْنَى الْمَسْكَنِ الَّذِي كَانَتْ تَسْكُنُهُ مِنْ الْوَرَثَةِ وَالْغُرَمَاءِ، مِنْ رَأْسِ مَالِ الْمُتَوَفَّى، وَلَا يُبَاعُ فِي دَيْنِهِ بَيْعًا يَمْنَعُهَا السُّكْنَى، فِيهِ حَتَّى تَقْضِيَ الْعِدَّةَ، وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ، وَإِنْ تَعَذَّرَ الْمَسْكَنُ، فَعَلَى الْوَارِثِ أَنْ يَكْتَرِيَ لَهَا مَسْكَنًا مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ مِنْ مَسْكَنِهَا إلَّا لِعُذْرِ، كَمَا ذَكَرْنَا. وَإِنْ اتَّفَقَ الْوَارِثُ وَالْمَرْأَةُ عَلَى نَقْلِهَا عَنْهُ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ هَذِهِ السُّكْنَى يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّهَا تَجِبُ لِلْعِدَّةِ، وَالْعِدَّةُ يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَمْ يَجُزْ اتِّفَاقُهُمَا عَلَى إبْطَالِهَا، بِخِلَافِ سُكْنَى النِّكَاحِ؛ فَإِنَّهَا حَقٌّ لَهُمَا؛ وَلِأَنَّ السُّكْنَى هَاهُنَا مِنْ الْإِحْدَادِ، فَلَمْ يَجُزْ الِاتِّفَاقُ عَلَى تَرْكِهَا، كَسَائِرِ خِصَالِ الْإِحْدَادِ.
وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُخْرِجُوهَا، إلَّا أَنْ تَأْتِيَ بِفَاحِشَةِ مُبَيِّنَةٍ. لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: ١] . وَهِيَ أَنْ تُطَوِّلْ لِسَانَهَا عَلَى أَحْمَائِهَا وَتُؤْذِيهِمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute