مَعْلُومًا؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ حَصَّلَهُ بِشَيْءٍ مُعَدٍّ لَهُ، فَمَلَكَهُ، كَالصَّيْدِ يَحْصُلُ فِي شَبَكَتِهِ، وَالسَّمَكِ فِي بِرْكَةٍ مُعَدَّةٍ لَهُ، وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ إلَّا بِإِذْنِ مَالِكِهِ.
[مَسْأَلَةٌ لَا يَخْلُو بَيْعُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا مِنْ ثَلَاثَة أَقْسَامٍ]
(٢٨٩٧) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَإِذَا اشْتَرَى الثَّمَرَةَ دُونَ الْأَصْلِ، وَلَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا عَلَى التَّرْكِ إلَى الْجِزَازِ، لَمْ يَجُزْ. وَإِنْ اشْتَرَاهَا عَلَى الْقَطْعِ، جَازَ. لَا يَخْلُو بَيْعُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ؛ أَحَدُهَا، أَنْ يَشْتَرِيَهَا بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ، فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ إجْمَاعًا؛ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا. نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُبْتَاعَ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. النَّهْيُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى الْقَوْلِ بِجُمْلَةِ هَذَا الْحَدِيثِ. الْقِسْمُ الثَّانِي، أَنْ يَبِيعَهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ فِي الْحَالِ، فَيَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ إنَّمَا كَانَ خَوْفًا مِنْ تَلَفِ الثَّمَرَةِ، وَحُدُوثِ الْعَاهَةِ عَلَيْهَا قَبْلَ أَخْذِهَا؛ بِدَلِيلِ مَا رَوَى أَنَسٌ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تَزْهُوَ. قَالَ: أَرَأَيْت إذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ، بِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ؟» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَهَذَا مَأْمُونٌ فِيمَا يُقْطَعُ، فَصَحَّ بَيْعُهُ كَمَا لَوْ بَدَا صَلَاحُهُ.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ، أَنْ يَبِيعَهَا مُطْلَقًا، وَلَمْ يَشْتَرِطْ قَطْعًا وَلَا تَبْقِيَةً، فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَأَجَازَهُ أَبُو حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي الْقَطْعَ، فَهُوَ كَمَا لَوْ اشْتَرَطَهُ، قَالَ: وَمَعْنَى النَّهْيِ، أَنْ يَبِيعَهَا مُدْرِكَةً قَبْلَ إدْرَاكِهَا، بِدَلَالَةِ قَوْلِهِ: " أَرَأَيْت إنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ، بِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ؟ ". فَلَفْظَةُ الْمَنْعِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ يَتَنَاوَلُ مَعْنَى، وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي الْحَالِ حَتَّى يُتَصَوَّرُ الْمَنْعُ. وَلَنَا، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَطْلَقَ النَّهْيَ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا.» فَيَدْخُلُ فِيهِ مَحَلُّ النِّزَاعِ، وَاسْتِدْلَالُهُمْ بِسِيَاقِ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى هَدْمِ قَاعِدَتِهِمْ الَّتِي قَرَّرُوهَا، فِي أَنَّ إطْلَاقَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي الْقَطْعَ، وَيُقَرِّرُ مَا قُلْنَا، مِنْ أَنَّ إطْلَاقَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي التَّبْقِيَةَ، فَيَصِيرُ الْعَقْدُ الْمُطْلَقُ كَاَلَّذِي شُرِطَتْ فِيهِ التَّبْقِيَةُ، يَتَنَاوَلُهُمَا النَّهْيُ جَمِيعًا، وَيَصِحُّ تَعْلِيلُهُمَا بِالْعِلَّةِ الَّتِي عَلَّلَ بِهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَنْعِ الثَّمَرَةِ وَهَلَاكِهَا.
[فَصْلٌ بَيْعُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ]
(٢٨٩٨) فَصْلٌ: وَبَيْعُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: أَحَدُهَا، أَنْ يَبِيعَهَا مُفْرَدَةً لِغَيْرِ مَالِكِ الْأَصْلِ، فَهَذَا الضَّرْبُ الَّذِي ذَكَرْنَا حُكْمَهُ، وَبَيَّنَّا بُطْلَانَهُ. الثَّانِي، أَنْ يَبِيعَهَا مَعَ الْأَصْلِ، فَيَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ ابْتَاعَ نَخْلًا بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ، فَثَمَرَتُهَا لِلَّذِي بَاعَهَا، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ» . وَلِأَنَّهُ إذَا بَاعَهَا مَعَ الْأَصْلِ حَصَلَتْ تَبَعًا فِي الْبَيْعِ، فَلَمْ يَضُرَّ احْتِمَالُ الْغَرَرِ فِيهَا، كَمَا احْتَمَلَتْ الْجَهَالَةُ فِي بَيْعِ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ مَعَ بَيْعِ الشَّاةِ، وَالنَّوَى فِي التَّمْرِ مَعَ التَّمْرِ، وَأَسَاسَاتِ الْحِيطَانِ فِي بَيْعِ الدَّارِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute