وَلَنَا، أَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي الْعَدَمِ، فَلَزِمَتْهُ ابْنَةُ مَخَاضٍ، كَمَا لَوْ اسْتَوَيَا فِي الْوُجُودِ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى وُجُودِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِلرِّفْقِ بِهِ، إغْنَاءً لَهُ عَنْ الشِّرَاءِ، وَمَعَ عَدَمِهِ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ الشِّرَاءِ، فَكَانَ شِرَاءُ الْأَصْلِ أَوْلَى. عَلَى أَنَّ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ: " فَمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ ابْنَةُ مَخَاضٍ عَلَى وَجْهِهَا، وَعِنْدَهُ ابْنُ لَبُونٍ، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ، وَلَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ ".
فَشَرَطَ فِي قَبُولِهِ وُجُودَهُ وَعَدَمَهَا، وَهَذَا فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ، وَفِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ: " وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ بِنْتِ مَخَاضٍ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ إلَّا ابْنُ لَبُونٍ ". وَهَذَا يَفْسُدُ بِتَعَيُّنِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا ابْنَةَ مَخَاضٍ مُعَيَّنَةً، فَلَهُ الِانْتِقَالُ إلَى ابْنِ لَبُونٍ؛ لِقَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ: " فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ، عَلَى وَجْهِهَا " وَلِأَنَّ وُجُودَهَا كَعَدَمِهَا، لِكَوْنِهَا لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا، فَأَشْبَهَ الَّذِي لَا يَجِدُ إلَّا مَا لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ فِي انْتِقَالِهِ إلَى التَّيَمُّمِ.
وَإِنْ وَجَدَ ابْنَةَ مَخَاضٍ أَعْلَى مِنْ صِفَةِ الْوَاجِبِ، لَمْ يُجْزِهِ ابْنُ لَبُونٍ؛ لِوُجُودِ بِنْتِ مَخَاضٍ عَلَى وَجْهِهَا، وَيُخَيَّرُ بَيْن إخْرَاجِهَا وَبَيْنَ شِرَاءِ بِنْتِ مَخَاضٍ عَلَى صِفَةِ الْوَاجِبِ، وَلَا يُخَيَّرُ بَعْضُ الذُّكُورِيَّةِ بِزِيَادَةِ سِنٍّ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ ابْنِ لَبُونٍ حِقًّا، وَلَا عَنْ الْحِقَّةِ جَذَعًا، لِعَدَمِهِمَا وَلَا وُجُودِهِمَا.
وَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: يَجُوزُ ذَلِكَ مَعَ عَدَمِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا أَعْلَى وَأَفْضَلُ، فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ فِيهِمَا بِطَرِيقِ التَّنْبِيهِ. وَلَنَا، أَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِمَا، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُمَا عَلَى ابْنِ لَبُونٍ مَكَانَ بِنْتِ مَخَاضٍ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ سِنِّ ابْنِ لَبُونٍ عَلَى بِنْتِ مَخَاضٍ يَمْتَنِعُ بِهَا مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ، وَيَرْعَى الشَّجَرَ بِنَفْسِهِ، وَيَرِدُ الْمَاءَ، وَلَا يُوجَدُ هَذَا فِي الْحِقِّ مَعَ بِنْتِ لَبُونٍ، لِأَنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي هَذَا، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مُجَرَّدُ السِّنِّ فَلَمْ يُقَابَلْ إلَّا بِتَوْجِيهٍ.
وَقَوْلُهُمَا: إنَّهُ يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِيهِمَا بِطَرِيقِ التَّنْبِيهِ. قُلْنَا: بَلْ يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الْحُكْمِ فِيهِمَا بِدَلِيلِ خِطَابِهِ، فَإِنَّ تَخْصِيصَهُ بِالذِّكْرِ دُونَهُمَا دَلِيلٌ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِالْحُكْمِ دُونَهُمَا.
[فَصْلُ أَخْرَجَ عَنْ الْوَاجِبِ سِنًّا أَعْلَى مِنْ جِنْسِهِ]
(١٦٩٨) فَصْلٌ: وَإِنْ أَخْرَجَ عَنْ الْوَاجِبِ سِنًّا أَعْلَى مِنْ جِنْسِهِ، مِثْلُ أَنْ يُخْرِجَ بِنْتَ لَبُونٍ عَنْ بِنْتِ مَخَاضٍ، وَحِقَّةً عَنْ بِنْتِ لَبُونٍ أَوْ بِنْتِ مَخَاضٍ، أَوْ أَخْرَجَ عَنْ الْجَذَعَةِ ابْنَتَيْ لَبُونٍ أَوْ حِقَّتَيْنِ، جَازَ. لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا؛ لِأَنَّهُ زَادَ عَلَى الْوَاجِبِ مِنْ جِنْسِهِ مَا يُجْزِئُ عَنْهُ مَعَ غَيْرِهِ، فَكَانَ مُجْزِيًا عَنْهُ عَلَى انْفِرَادِهِ، كَمَا لَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ فِي الْعَدَدِ.
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي " مُسْنَدِهِ "، وَأَبُو دَاوُد، فِي " سُنَنِهِ "، بِإِسْنَادِهِمَا عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُصَدِّقًا، فَمَرَرْت بِرَجُلٍ، فَلَمَّا جَمَعَ لِي مَالَهُ لَمْ أَجِدْ عَلَيْهِ فِيهِ إلَّا بِنْتَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute