للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الِاخْتِيَارِ دَخَلَ بِإِسْلَامِ الْأُولَى، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُعْسِرًا، كَانَ لَهُ اخْتِيَارُهَا، فَإِذَا كَانَ مُوسِرًا، بَطَلَ اخْتِيَارُهُ. وَإِنْ أَسْلَمْت الْأُولَى وَهُوَ مُعْسِرٌ، فَلَمْ تُسْلِمْ الْبَوَاقِي حَتَّى أَيْسَرِ، لَزِمَ نِكَاحُ الْأُولَى، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ الِاخْتِيَارُ مِنْ الْبَوَاقِي؛ لِأَنَّ الْأُولَى اجْتَمَعَتْ مَعَهُ فِي حَالَةٍ يَجُوزُ لَهُ ابْتِدَاءُ نِكَاحِهَا، بِخِلَافِ الْبَوَاقِي

وَلَوْ أَسْلَمَ وَأَسْلَمْنَ مَعَهُ وَهُوَ مُعْسِرٌ، فَلَمْ يَخْتَرْ حَتَّى أَيْسَرَ، كَانَ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ؛ لِأَنَّ حَالَ ثُبُوتِ الِاخْتِيَارِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ، فَتَغَيُّرُ حَالِهِ لَا يُسْقِطُ مَا ثَبَتَ لَهُ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ أَوْ اخْتَارَ ثُمَّ أَيْسَرَ، لَمْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ اسْتِدَامَةُ النِّكَاحِ

(٥٤٦٥) فَصْلٌ: فَإِنْ أَسْلَمَ وَأَسْلَمَتْ مَعَهُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ، وَهُوَ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْإِمَاءِ، فَلَهُ أَنْ يَخْتَارَ مَنْ أَسْلَمَتْ مَعَهُ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَخْتَارَهَا لَوْ أَسْلَمْنَ كُلُّهُنَّ، فَكَذَلِكَ إذَا أَسْلَمَتْ وَحْدَهَا. وَإِنْ أَحَبَّ انْتِظَارَ الْبَوَاقِي جَازَ؛ لِأَنَّ لَهُ غَرَضًا صَحِيحًا، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُنَّ مَنْ هِيَ أَبَرُّ عِنْدَهُ مِنْ هَذِهِ. فَإِنْ انْتَظَرَهُنَّ، فَلَمْ يُسْلِمْنَ حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ، تَبَيَّنَ أَنَّ نِكَاحَ هَذِهِ كَانَ لَازِمًا، وَبَانَ الْبَوَاقِي مُنْذُ اخْتَلَفَ الدِّينَانِ.

وَإِنْ أَسْلَمْنَ فِي الْعِدَّةِ، اخْتَارَ مِنْهُنَّ وَاحِدَةً، وَانْفَسَخَ نِكَاحُ الْبَاقِيَاتِ حِينَ الِاخْتِيَارِ، وَعَدَدُهُنَّ مِنْ حِينِ الِاخْتِيَارِ. وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْضُهُنَّ دُونَ بَعْضٍ، بَانَ اللَّائِي لَمْ يُسْلِمْنَ مُنْذُ اخْتَلَفَ الدِّينَانِ، وَالْبَوَاقِي مِنْ حِينَ اخْتَارَهُ. وَإِنْ اخْتَارَ الَّتِي أَسْلَمَتْ مَعَهُ حِينَ أَسْلَمَتْ، انْقَطَعَتْ عِصْمَةُ الْبَوَاقِي، وَثَبَتَ نِكَاحُهَا

فَإِنْ أَسْلَمَ الْبَوَاقِي فِي الْعِدَّةِ، تَبَيَّنَ أَنَّهُنَّ بِنَّ مِنْهُ بِاخْتِيَارِهِ، وَعِدَّتُهُنَّ مِنْ حِينَئِذٍ. وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْنَ، بِنَّ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ، وَعِدَّتُهُنَّ مِنْهُ. وَإِنْ طَلَّقَ الَّتِي أَسْلَمَتْ مَعَهُ، طَلُقَتْ، وَكَانَ اخْتِيَارًا لَهَا. وَحُكْمُ ذَلِكَ حُكْمُ مَا لَوْ اخْتَارَهَا صَرِيحًا؛ لِأَنَّ إيقَاعَ طَلَاقِهِ عَلَيْهَا يَتَضَمَّنُ اخْتِيَارَهَا. فَأَمَّا إنْ اخْتَارَ فَسْخَ نِكَاحِهَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَاتِ لَمْ يُسْلِمْنَ مَعَهُ، فَمَا زَادَ الْعَدَدُ عَلَى مَا لَهُ إمْسَاكُهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ، وَلَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ، ثُمَّ نَنْظُرُ؛ فَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ الْبَوَاقِي، لَزِمَهُ نِكَاحُهَا، وَإِنْ أَسْلَمْنَ فَاخْتَارَ مِنْهُنَّ وَاحِدَةً، انْفَسَخَ نِكَاحُ الْبَوَاقِي، وَالْأُولَى مَعَهُنَّ. وَإِنْ اخْتَارَ الْأُولَى الَّتِي فَسَخَ نِكَاحَهَا، صَحَّ اخْتِيَارُهُ لَهَا؛ لِأَنَّ فَسْخَهُ لِنِكَاحِهَا لَمْ يَصِحَّ

وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي، أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اخْتِيَارُهُ لَهَا؛ لِأَنَّ فَسْخَهُ إنَّمَا لَمْ يَصِحَّ مَعَ إقَامَةِ الْبَوَاقِي عَلَى الْكُفْرِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ، لِأَنَّنَا نَتَبَيَّنُ أَنَّ نِكَاحَهَا كَانَ لَازِمًا، فَإِذَا أَسْلَمْنَ لَحِقَ إسْلَامُهُنَّ بِتِلْكَ الْحَالِ، وَصَارَ كَأَنَّهُنَّ أَسْلَمْنَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَإِذَا فَسَخَ نِكَاحَ إحْدَاهُنَّ، صَحَّ الْفَسْخُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَخْتَارَهَا. وَهَذَا يَبْطُلُ بِمَا لَوْ فَسَخَ نِكَاحَ إحْدَاهُنَّ قَبْلَ إسْلَامِهَا، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَلَا يُجْعَلُ إسْلَامُهُنَّ الْمَوْجُودُ فِي الثَّانِي كَالْمَوْجُودِ سَابِقًا، كَذَلِكَ هَاهُنَا.

[فَصْلٌ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ إمَاءٌ وَحُرَّةٌ]

(٥٤٦٦) فَصْلٌ: فَإِنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ إمَاءٌ وَحُرَّةٌ، فَفِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ؛

<<  <  ج: ص:  >  >>