أَوْ بِالتَّعْلِيقِ لَهُ عَلَى صِفَةٍ، أَوْ بِالِاسْتِيلَادِ، وَكُلُّ هَؤُلَاءِ كَسْبُهُمْ لِسَيِّدِهِمْ، فَكَذَلِكَ الْمُدَبَّرُ. فَإِنْ اخْتَلَفَ هُوَ وَوَرَثَةُ سَيِّدِهِ فِيمَا فِي يَدِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ، فَقَالَ: كَسَبْته بَعْدَ حُرِّيَّتِي. وَقَالُوا: بَلْ قَبْلَ ذَلِكَ. فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ مِلْكُهُمْ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْوَلَدِ، فَإِنَّهُ كَانَ رَقِيقًا لَهُمْ. فَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ، قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْوَرَثَةِ، عِنْدَ مَنْ يُقَدِّمُ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ، وَبَيِّنَةُ الْمُدَبَّرِ عِنْدَ مَنْ يُقَدِّمُ بَيِّنَةَ الدَّاخِلِ.
وَإِنْ أَقَرَّ الْمُدَبَّرُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي يَدِهِ فِي حَيَاةِ سَيِّدِهِ، ثُمَّ تَجَدَّدَ مِلْكُهُ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُمْ. فَإِنْ أَقَامَ الْمُدَبَّرُ بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ، قُبِلَتْ، وَتُقَدَّمُ عَلَى بَيِّنَةِ الْوَرَثَةِ إنْ كَانَتْ لَهُمْ بَيِّنَةٌ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْمُدَبَّرِ تَشْهَدُ بِزِيَادَةٍ، وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ الْمُدَبَّرُ بِأَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهِ فِي حَيَاةِ سَيِّدِهِ فَأَقَامَ الْوَرَثَةُ بَيِّنَةً بِهِ، فَهَلْ تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُمْ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
[مَسْأَلَةٌ إصَابَةُ مُدَبَّرَتِهِ أَيْ وَطْؤُهَا]
(٨٦٧٧) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَهُ إصَابَةُ مُدَبَّرَتِهِ) يَعْنِي: لَهُ وَطْؤُهَا. رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ دَبَّرَ أَمَتَيْنِ، وَكَانَ يَطَؤُهُمَا. وَمِمَّنْ رَأَى ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَالشَّافِعِيُّ. قَالَ أَحْمَدُ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا كَرِهَ ذَلِكَ، غَيْرَ الزُّهْرِيِّ. وَحُكِيَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إنْ كَانَ يَطَؤُهَا قَبْلَ تَدْبِيرِهَا، فَلَا بَأْسَ بِوَطْئِهَا بَعْدَهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَطَؤُهَا قَبْلَهُ، لَمْ يَطَأْهَا بَعْدَ تَدْبِيرِهَا.
وَلَنَا، أَنَّهَا مَمْلُوكَتُهُ، لَمْ تَشْتَرِ نَفْسَهَا مِنْهُ، فَحَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المعارج: ٣٠] . وَكَأُمِّ الْوَلَدِ. (٨٦٧٨)
فَصْلٌ: وَابْنَةُ الْمُدَبَّرَةِ كَأُمِّهَا؛ فِي حِلِّ وَطْئِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ وَطِئَ أُمَّهَا. وَعَنْهُ لَيْسَ لَهُ وَطْؤُهَا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْحُرِّيَّةِ ثَبَتَ لَهَا تَبَعًا، أَشْبَهَ وَلَدَ الْمُكَاتَبَةِ.
وَلَنَا، أَنَّ مِلْكَ سَيِّدِهَا تَامٌّ عَلَيْهَا، فَحَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا؛ لِلْآيَةِ، وَكَأُمِّهَا، وَاسْتِحْقَاقُهَا لِلْحُرِّيَّةِ لَا يَزِيدُ عَلَى اسْتِحْقَاقِ أُمِّهَا، وَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ وَطْأَهَا. وَأَمَّا وَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ، فَأُلْحِقَتْ بِأُمِّهَا، وَأُمُّهَا يَحْرُمُ وَطْؤُهَا فَكَذَلِكَ ابْنَتُهَا، وَأُمُّ هَذِهِ يَحِلُّ وَطْؤُهَا، فَيَجِبُ إلْحَاقُهَا بِهَا، وَكَلَامُ أَحْمَدَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ وَطِئَ أُمَّهَا، فَحَرُمَتْ عَلَيْهِ لِذَلِكَ.
[مَسْأَلَةٌ مَنْ أَنْكَرَ التَّدْبِيرَ]
(٨٦٧٩) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَنْ أَنْكَرَ التَّدْبِيرَ، لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ، أَوْ شَاهِدٍ وَيَمِينِ الْعَبْدِ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا ادَّعَى عَلَى سَيِّدِهِ أَنَّهُ دَبَّرَهُ، فَدَعْوَاهُ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ الْعِتْقِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَصِحَّ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ إذَا أَنْكَرَ التَّدْبِيرَ كَانَ بِمَنْزِلَةِ إنْكَارِ الْوَصِيَّةِ، وَإِنْكَارُ الْوَصِيَّةِ رُجُوعٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute