للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يُضْمَنُ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ. وَإِنْ اسْتَعَارَ عَبْدًا مِنْ رَجُلَيْنِ، فَرَهَنَهُ بِمِائَةٍ، ثُمَّ قَضَى خَمْسِينَ، عَلَى أَنْ تَخْرُجَ حِصَّةُ أَحَدِهِمَا، لَمْ تَخْرُجْ؛ لِأَنَّهُ رَهَنَهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ فِي صَفْقَةٍ، فَلَا يَنْفَكُّ بَعْضُهُ بِقَضَاءِ بَعْضِ الدَّيْنِ، كَمَا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ لِوَاحِدٍ.

[فَصْلٌ الْعَارِيَّة مُطْلَقَةً وَمُؤَقَّتَةً]

(٣٩٢٤) فَصْلٌ: وَتَجُوزُ الْعَارِيَّةِ مُطْلَقَةً وَمُؤَقَّتَةً؛ لِأَنَّهَا إبَاحَةٌ، فَأَشْبَهَتْ إبَاحَةَ الطَّعَامِ. وَلِلْمُعِيرِ الرُّجُوعُ فِي الْعَارِيَّةِ أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ، سَوَاءٌ كَانَتْ مُطْلَقَةً أَوْ مُؤَقَّتَةً، مَا لَمْ يَأْذَنْ فِي شَغْلِهِ بِشَيْءِ يَتَضَرَّرُ بِالرُّجُوعِ فِيهِ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ، وَقَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَتْ مُؤَقَّتَةً، فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَإِنْ لَمْ تُؤَقَّتْ لَهُ مُدَّةٌ، لَزِمَهُ تَرْكُهُ مُدَّةً يُنْتَفَعُ بِهَا فِي مِثْلِهَا؛ لِأَنَّ الْمُعِيرَ قَدْ مَلَّكَهُ الْمَنْفَعَةَ فِي مُدَّةٍ، وَصَارَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِهِ بِعَقْدٍ مُبَاحٍ، فَلَمْ يَمْلِكْ الرُّجُوعَ فِيهَا بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الْمَالِكِ، كَالْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ وَالْمُسْتَأْجَرِ.

وَلَنَا، أَنَّ الْمَنَافِعَ الْمُسْتَقْبَلَةَ لَمْ تَحْصُلْ فِي يَدِهِ، فَلَمْ يَمْلِكْهَا بِالْإِعَارَةِ، كَمَا لَوْ لَمْ تَحْصُلْ الْعَيْنُ فِي يَدِهِ، وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ، فَلِلْمُوصِي الرُّجُوعُ، وَلَمْ يَمْلِكْ الْوَرَثَةُ الرُّجُوعَ؛ لِأَنَّ التَّبَرُّعَ مِنْ غَيْرِهِمْ.

وَأَمَّا الْمُسْتَأْجَرُ، فَإِنَّهُ مَمْلُوكٌ بِعَقْدِ مُعَاوَضَةٍ، فَيَلْزَمُ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا. وَيَجُوزُ لِلْمُسْتَعِيرِ الرَّدُّ مَتَى شَاءَ. بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّهُ إبَاحَةٌ، فَكَانَ لِمَنْ أُبِيحَ لَهُ تَرْكُهُ، كَإِبَاحَةِ الطَّعَامِ.

(٣٩٢٥) فَصْلٌ: وَإِذَا أَطْلَقَ الْمُدَّةَ فِي الْعَارِيَّةِ، فَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا مَا لَمْ يَرْجِعْ. وَإِنْ وَقَّتَهَا، فَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ مَا لَمْ يَرْجِعْ، أَوْ يَنْقَضِيَ الْوَقْتُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَبَاحَ ذَلِكَ بِالْإِذْنِ، فَفِيمَا عَدَا مَحَلِّ الْإِذْنِ يَبْقَى عَلَى أَصْلِ التَّحْرِيمِ. فَإِنْ كَانَ الْمُعَارُ أَرْضًا، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَغْرِسَ، وَلَا يَبْنِيَ، وَلَا يَزْرَعَ بَعْدَ الْوَقْتِ أَوْ الرُّجُوعِ، فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، لَزِمَهُ قَلْعُ غَرْسِهِ وَبِنَائِهِ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْغَاصِبِ فِي ذَلِكَ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ لِعِرْقِ ظَالِمٍ حَقٌّ» . وَعَلَيْهِ أَجْرُ مَا اسْتَوْفَاهُ مِنْ نَفْعِ الْأَرْضِ عَلَى وَجْهِ الْعُدْوَانِ، وَيَلْزَمُهُ الْقَلْعُ، وَتَسْوِيَةُ الْحَفْرِ، وَنَقْضُ الْأَرْضِ، وَسَائِرُ أَحْكَامِ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ عُدْوَانٌ.

[فَصْلٌ أَعَارَهُ شَيْئًا لِيَنْتَفِع بِهِ انْتِفَاعًا يَلْزَمُ مِنْ الرُّجُوعِ فِي الْعَارِيَّة فِي أَثْنَائِهِ ضَرَرٌ بِالْمُسْتَعِيرِ]

(٣٩٢٦) فَصْلٌ: فَإِنْ أَعَارَهُ شَيْئًا لِيَنْتَفِعَ بِهِ انْتِفَاعًا يَلْزَمُ مِنْ الرُّجُوعِ فِي الْعَارِيَّةِ فِي أَثْنَائِهِ ضَرَرٌ بِالْمُسْتَعِيرِ، لَمْ يَجُزْ لَهُ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ يَضُرُّ بِالْمُسْتَعِيرِ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ الْإِضْرَارُ بِهِ، مِثْلُ أَنْ يُعِيرَهُ لَوْحًا يَرْقَعُ بِهِ سَفِينَتَهُ، فَرَقَعَهَا بِهِ، وَلَجَّجَ بِهَا فِي الْبَحْرِ، لَمْ يَجُزْ الرُّجُوعُ مَا دَامَتْ فِي الْبَحْرِ، وَلَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ دُخُولِهَا فِي الْبَحْرِ، وَبَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْهُ؛ لِعَدَمِ الضَّرَرِ فِيهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>