للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْفَيْءِ حَقًّا؛ فَإِنَّهُ لَمَّا قَرَأَ الْآيَةَ الَّتِي فِي سُورَةِ الْحَشْرِ قَالَ: هَذِهِ الْآيَةُ اسْتَوْعَبَتْ الْمُسْلِمِينَ وَجَعَلَ لِلرَّاعِي بِسَرْوِ حِمْيَرَ مِنْهُ نَصِيبًا، وَقَالَ: مَا أَحَدٌ إلَّا لَهُ فِي هَذَا الْمَالِ نَصِيبٌ.

وَأَمَّا أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى أَهْلِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَهَمِّ الْمَصَالِحِ، فَبَدَأَ بِهِمْ، ثُمَّ جَعَلَ بَاقِيَةُ أُسْوَةَ الْمَالِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ اخْتَصَّ بِهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْفَيْءِ، وَتَرَكَ سَائِرَهُ لِمَنْ سُمِّيَ فِي الْآيَةِ. وَهَذَا مُبَيَّنٌ فِي قَوْلِ عُمَرَ: وَكَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَالِصًا دُونَ الْمُسْلِمِينَ.

[فَصْلٌ قَسَمَ الْفَيْءِ بَيْنَ أَهْلِهِ]

(٥٠٩٢) فَصْلٌ: وَاخْتَلَفَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فِي قَسْمِ الْفَيْءِ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمْ فِيهِ. وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. فَرُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَوَّى بَيْنَ النَّاسِ فِي الْعَطَاءِ، وَأَدْخَلَ فِيهِ الْعَبِيدَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، أَتَجْعَلُ الَّذِينَ جَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، وَهَجَرُوا دِيَارَهُمْ لَهُ، كَمَنْ إنَّمَا دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ كَرْهًا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إنَّمَا عَمِلُوا لِلَّهِ، وَإِنَّمَا أُجُورُهُمْ عَلَى اللَّهِ، وَإِنَّمَا الدُّنْيَا بَلَاغٌ.

فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَاضَلَ بَيْنَهُمْ، وَأَخْرَجَ الْعَبِيدَ، فَلَمَّا وَلِيَ عَلِيٌّ، سَوَّى بَيْنَهُمْ، وَأَخْرَجَ الْعَبِيدَ. وَذُكِرَ عَنْ عُثْمَانَ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ فَضَّلَ بَيْنَهُمْ فِي الْقِسْمَةِ. فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَذْهَبُ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ. أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ التَّسْوِيَةَ، وَمَذْهَبُ اثْنَيْنِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ التَّفْضِيلَ. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَجَازَ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا، عَلَى مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ، وَيُؤَدِّي اجْتِهَادِهِ إلَيْهِ.

فَرَوَى عَنْهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ قَالَ: لِلْإِمَامِ أَنْ يُفَضِّلَ قَوْمًا عَلَى قَوْمٍ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: اخْتِيَارُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنْ لَا يُفَضِّلُوا. وَهَذَا اخْتِيَارُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبِي: رَأَيْت قَسْمَ اللَّهِ الْمَوَارِيثَ عَلَى الْعَدَدِ، يَكُونُ الْإِخْوَةُ مُتَفَاضِلِينَ فِي الْغَنَاءِ عَنْ الْمَيِّتِ، وَالصِّلَةِ فِي الْحَيَاةِ، وَالْحِفْظِ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَلَا يُفَضَّلُونَ، وَقَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ عَلَى الْعَدَدِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى غَايَةَ الْغَنَاءِ وَيَكُونُ الْفَتْحُ عَلَى يَدَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ مَحْضَرُهُ إمَّا غَيْرُ نَافِعٍ، وَإِمَّا ضَرَرٌ بِالْجُبْنِ وَالْهَزِيمَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ اسْتَوَوْا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَهُوَ انْتِصَابُهُمْ لِلْجِهَادِ، فَصَارُوا كَالْغَانِمِينَ.

وَالصَّحِيحُ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ ذَلِكَ مُفَوَّضٌ إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ، يَفْعَلُ مَا يَرَاهُ مِنْ تَسْوِيَةٍ وَتَفْضِيلٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُعْطِي الْأَنْفَالَ، فَيُفَضِّلُ قَوْمًا عَلَى قَوْمٍ عَلَى قَدْرِ غَنَائِهِمْ. وَهَذَا فِي مَعْنَاهُ. وَالْمَشْهُورُ عَنْ عُمَرَ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ حِينَ كَثُرَ عِنْدَهُ الْمَالُ، فَرَضَ لِلْمُسْلِمِينَ أَعْطِيَاتِهِمْ، فَفَرَضَ لِلْمُهَاجِرِينَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ خَمْسَةَ آلَافٍ خَمْسَةَ آلَافٍ، وَلِلْأَنْصَارِ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ أَرْبَعَةَ آلَافٍ أَرْبَعَةَ آلَافٍ، وَفَرَضَ

<<  <  ج: ص:  >  >>