مِنْ الْمُشْتَرِي طَعَامًا بِدَرَاهِمَ، وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ، ثُمَّ أَخَذَهَا مِنْهُ وَفَاءً، أَوْ لَمْ يُسَلِّمْهَا إلَيْهِ، لَكِنْ قَاصَّهُ بِهَا، كَمَا فِي حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ.
[مَسْأَلَةٌ بَاعَ حَيَوَانًا أَوْ غَيْره بِالْبَرَاءَةِ مِنْ كُلّ عَيْب]
(٣٠٤٧) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَمَنْ بَاعَ حَيَوَانًا، أَوْ غَيْرَهُ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ، لَمْ يَبْرَأْ، سَوَاءٌ عَلِمَ بِهِ الْبَائِعُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ فِي الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ، فَرُوِيَ عَنْهُ: أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ، إلَّا أَنْ يَعْلَمَ الْمُشْتَرِي بِالْعَيْبِ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ إبْرَاهِيمُ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ: لَا يَبْرَأُ إلَّا مِمَّا سَمَّى. وَقَالَ شُرَيْحٌ: لَا يَبْرَأُ إلَّا مِمَّا أَرَاهُ أَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ. وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ، وَإِسْحَاقَ.
لِأَنَّهُ مُرْفَقٌ فِي الْبَيْعِ، لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالشَّرْطِ، فَلَا يَثْبُتُ مَعَ الْجَهْلِ، كَالْخِيَارِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ لَمْ يَعْلَمْهُ، وَلَا يَبْرَأُ مِنْ عَيْبٍ عَلِمَهُ، وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ وَنَحْوُهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.
وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْحَيَوَانِ خَاصَّةً؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بَاعَ زِيدَ بْنَ ثَابِتٍ عَبْدًا بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعَيْبِ، بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَأَصَابَ بِهِ زَيْدٌ عَيْبًا، فَأَرَادَ رَدَّهُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ، فَلَمْ يَقْبَلْهُ، فَتَرَافَعَا إلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ عُثْمَانُ لِابْنِ عُمَرَ: تَحْلِفُ أَنَّك لَمْ تَعْلَمْ بِهَذَا الْعَيْبِ؟ فَقَالَ: لَا. فَرَدَّهُ عَلَيْهِ فَبَاعَهُ ابْنُ عُمَرَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ. وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ اُشْتُهِرَتْ، فَلَمْ تُنْكَرْ، فَكَانَتْ إجْمَاعًا. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ أَجَازَ الْبَرَاءَةَ مِنْ الْمَجْهُولِ فَيُخَرَّجُ مِنْ هَذَا صِحَّةُ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَرُوِيَ هَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِمَا رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ، «أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا فِي مَوَارِيثَ دَرَسَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَهِمَا، وَتَوَخَّيَا، وَلْيَحْلِلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ» فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْبَرَاءَةَ مِنْ الْمَجْهُولِ جَائِزَةٌ، وَلِأَنَّهُ إسْقَاطُ حَقٍّ لَا تَسْلِيمَ فِيهِ، فَصَحَّ مِنْ الْمَجْهُولِ، كَالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ، فَمَا ثَبَتَ فِي أَحَدِهِمَا ثَبَتَ فِي الْآخَرِ، وَقَوْلُ عُثْمَانَ قَدْ خَالَفَهُ ابْنُ عُمَرَ، وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ الْمُخَالِفُ لَا يَبْقَى حُجَّةً. (٣٠٤٨)
فَصْلٌ فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَصِحُّ شَرْطُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ. فَشَرْطُهُ لَمْ يُفْسِدْ الْبَيْعَ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ وَجْهٌ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ بَاعَ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ، فَأَجْمَعُوا عَلَى صِحَّتِهِ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ مُنْكِرٌ. فَعَلَى هَذَا لَا يُمْنَعُ الرَّدُّ بِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَيَكُونُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ.
وَعَنْ أَحْمَدَ فِي الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، أَنَّهَا تُفْسِدُ الْعَقْدَ، فَيَدْخُلُ فِيهَا هَذَا الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ إنَّمَا رَضِيَ بِهَذَا الثَّمَنِ عِوَضًا عَنْهُ بِهَذَا الشَّرْطِ، فَإِذَا فَسَدَ الشَّرْطُ فَاتَ الرِّضَى بِهِ، فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ لِعَدَمِ التَّرَاضِي بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute