سُقُوطِهِ، وَالْقِيَاسُ مُنْتَقَضٌ بِصَوْمِ الظِّهَارِ إذَا قُدِّمَ الْمَسِيسُ عَلَيْهِ، وَالْجُمُعَةُ لَيْسَتْ بَدَلًا، وَإِنَّمَا هِيَ الْأَصْلُ، وَإِنَّمَا سَقَطَتْ لِأَنَّ الْوَقْتَ جُعِلَ شَرْطًا لَهَا كَالْجَمَاعَةِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ يَصُومُ أَيَّامَ مِنًى.
وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ، وَعُرْوَةَ، وَعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَمَالِكٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَالشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ، وَعَائِشَةُ، قَالَا: «لَمْ يُرَخَّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَهَذَا يَنْصَرِفُ إلَى تَرْخِيصِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِصِيَامِ الثَّلَاثَةِ فِي الْحَجِّ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْ أَيَّامِ الْحَجِّ إلَّا هَذِهِ الْأَيَّامُ، فَيَتَعَيَّنُ الصَّوْمُ فِيهَا. فَإِذَا صَامَ هَذِهِ الْأَيَّامَ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ صَامَ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ.
وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى، لَا يَصُومُ أَيَّامَ مِنًى. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَالْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ صَوْمِ سِتَّةِ أَيَّامٍ، ذَكَرَ مِنْهَا أَيَّامَ التَّشْرِيقِ» ، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ» . وَلِأَنَّهَا لَا يَجُوزُ فِيهَا صَوْمُ النَّفْلِ، فَلَا يَصُومُهَا عَنْ الْهَدْيِ، كَيَوْمِ النَّحْرِ. فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، يَصُومُ بَعْدَ ذَلِكَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إذَا قُلْنَا: يَصُومُ أَيَّامَ مِنًى فَلَمْ يَصُمْهَا. وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ فِي وُجُوبِ الدَّمِ عَلَيْهِ، فَعَنْهُ عَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ أَخَّرَ الْوَاجِبَ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ عَنْ وَقْتِهِ، فَلَزِمَهُ دَمٌ، كَرَمْيِ الْجِمَارِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُؤَخِّرِ لِعُذْرٍ، أَوْ لِغَيْرِهِ، لِمَا ذَكَرْنَا.
وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ أَخَّرَهُ لِعُذْرٍ، لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّ الدَّمَ الَّذِي هُوَ الْمُبْدَلَ، لَوْ أَخَّرَهُ لِعُذْرٍ، لَا دَمَ عَلَيْهِ لِتَأْخِيرِهِ، فَالْبَدَلُ أَوْلَى. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ لَا يَلْزَمُهُ مَعَ الصَّوْمِ دَمٌ بِحَالٍ. وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي الْخَطَّابِ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ صَوْمٌ وَاجِبٌ، يَجِبُ الْقَضَاءُ بِفَوَاتِهِ، كَصَوْمِ رَمَضَانَ. فَأَمَّا الْهَدْيُ الْوَاجِب، إذَا أَخَّرَهُ لِعُذْرٍ، مِثْلُ أَنْ ضَاعَتْ نَفَقَتُهُ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا قَضَاؤُهُ، كَسَائِرِ الْهَدَايَا الْوَاجِبَةِ.
وَإِنْ أَخَّرَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا، لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا قَضَاؤُهُ، كَسَائِرِ الْهَدَايَا. وَالْأُخْرَى، عَلَيْهِ هَدْيٌ آخَرُ؛ لِأَنَّهُ نُسُكٌ مُؤَقَّتٌ، فَلَزِمَ الدَّمُ بِتَأْخِيرِهِ عَنْ وَقْتِهِ، كَرَمْيِ الْجِمَارِ. وَقَالَ أَحْمَدُ: مَنْ تَمَتَّعَ، فَلَمْ يُهْدِ إلَى قَابِلٍ، يُهْدِي هُدَيَيْنِ. كَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ.
[فَصْل إذَا صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ لَمْ يَلْزَمْهُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الثَّلَاثَة وَالسَّبْعَةِ]
(٢٦١١) فَصْلٌ: وَإِذَا صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، لَمْ يَلْزَمْهُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ. وَقَالَ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: عَلَيْهِ التَّفْرِيقُ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ مِنْ حَيْثُ الْفِعْلُ، وَمَا وَجَبَ التَّفْرِيقُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْفِعْلُ، لَمْ يَسْقُطْ بِفَوَاتِ وَقْتِهِ، كَأَفْعَالِ الصَّلَاةِ مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ.
وَلَنَا، أَنَّهُ صَوْمٌ وَاجِبٌ، فِي زَمَنٍ يَصِحُّ الصَّوْمُ فِيهِ، فَلَمْ يَجِبْ تَفْرِيقُهُ، كَسَائِرِ الصَّوْمِ. وَلَا نُسَلِّمُ وُجُوبَ التَّفْرِيقِ فِي الْأَدَاءِ، فَإِنَّهُ إذَا صَامَ أَيَّامَ مِنًى، وَأَتْبَعَهَا السَّبْعَةَ، فَمَا حَصَلَ التَّفْرِيقُ. وَإِنْ سَلَّمْنَا وُجُوبَ التَّفْرِيقِ فِي الْأَدَاءِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ الْوَقْتُ، فَإِذَا فَاتَ الْوَقْتُ سَقَطَ، كَالتَّفْرِيقِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute