يَكُونُ إخْرَاجُهَا مِنْ مَالِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّوْسِعَةِ عَلَيْهِ، وَالتَّطْيِيبِ لِقَلْبِهِ، وَإِشْرَاكِهِ لِأَمْثَالِهِ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ، كَمَا يَشْتَرِي لَهُ الثِّيَابَ الرَّفِيعَةَ لِلتَّجَمُّلِ، وَالطَّعَامَ الطَّيِّبَ، وَيُوَسِّعُ عَلَيْهِ فِي النَّفَقَةِ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ ذَلِكَ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ أَحْمَدَ فِي الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى حَالَيْنِ؛ فَالْمَوْضِعُ الَّذِي مَنَعَ التَّضْحِيَةَ، إذَا كَانَ الْيَتِيمُ طِفْلًا لَا يَعْقِلُ التَّضْحِيَةَ، وَلَا يَفْرَحُ بِهَا، وَلَا يَنْكَسِرُ قَلْبُهُ بِتَرْكِهَا؛ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِيهَا، فَيُحَصِّلُ إخْرَاجُ ثَمَنِهَا تَضْيِيعَ مَالٍ لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَالْمَوْضِعُ الَّذِي أَجَازَهَا، إذَا كَانَ الْيَتِيمُ يَعْقِلُهَا، وَيَنْجَبِرُ قَلْبُهُ بِهَا وَيَنْكَسِرُ بِتَرْكِهَا؛ لِحُصُولِ الْفَائِدَةِ مِنْهَا، وَالضَّرَرِ بِتَفْوِيتِهَا. وَاسْتَدَلَّ أَبُو الْخَطَّابِ بُقُولِ أَحْمَدَ: يُضَحِّي عَنْهُ. عَلَى وُجُوبِ الْأُضْحِيَّةِ. وَالصَّحِيحُ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، مَا ذَكَرْنَاهُ. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، مَتَى ضَحَّى عَنْ الْيَتِيمِ، لَمْ يَتَصَدَّقْ بِشَيْءٍ مِنْهَا، وَيُوَفِّرُهَا لِنَفْسِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الصَّدَقَةُ بِشَيْءِ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ تَطَوُّعًا.
[مَسْأَلَةٌ الِاسْتِحْبَابُ أَنْ يَأْكُلَ ثُلُثَ أُضْحِيَّته وَيُهْدِيَ ثُلُثَهَا وَيَتَصَدَّقَ بِثُلُثِهَا]
(٧٨٧٧) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَالِاسْتِحْبَابُ أَنْ يَأْكُلَ ثُلُثَ أُضْحِيَّتِهِ، وَيُهْدِيَ ثُلُثَهَا، وَيَتَصَدَّقَ بِثُلُثِهَا، وَلَوْ أَكَلَ أَكْثَرَ جَازَ قَالَ أَحْمَدُ: نَحْنُ نَذْهَبُ إلَى حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ: يَأْكُلُ هُوَ الثُّلُثَ، وَيُطْعِمُ مَنْ أَرَادَ الثُّلُثَ، وَيَتَصَدَّقُ عَلَى الْمَسَاكِينِ بِالثُّلُثِ. قَالَ عَلْقَمَةُ: بَعَثَ مَعِي عَبْدُ اللَّهِ بِهَدِيَّةٍ، فَأَمَرَنِي أَنْ آكُلَ ثُلُثًا، وَأَنْ أُرْسِلَ إلَى أَهْلِ أَخِيهِ عُتْبَةَ بِثُلُثٍ، وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِثُلُثٍ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا ثُلُثٌ لَك، وَثُلُثٌ لِأَهْلِك، وَثُلُثٌ لِلْمَسَاكِينِ. وَهَذَا قَوْلُ إِسْحَاقَ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ فِي الْآخَرِ: يَجْعَلُهَا نِصْفَيْنِ، يَأْكُلُ نِصْفًا، وَيَتَصَدَّقُ بِنِصْفٍ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: ٢٨] .
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: مَا كَثُرَ مِنْ الصَّدَقَةِ فَهُوَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْدَى مِائَةَ بَدَنَةٍ، وَأَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبِضْعَةٍ، فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ، فَأَكَلَ هُوَ وَعَلِيٌّ مِنْ لَحْمِهَا، وَحَسِيَا مِنْ مَرَقِهَا. وَنَحَرَ خَمْسَ بَدَنَاتٍ، أَوْ سِتَّ بَدَنَاتٍ، وَقَالَ: مَنْ شَاءَ فَلْيَقْتَطِعْ. وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُنَّ شَيْئًا» . وَلَنَا، مَا رُوِيَ «عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي صِفَةِ أُضْحِيَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: يُطْعِمُ أَهْلَ بَيْتِهِ الثُّلُثَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute