للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: الزَّمَانُ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ. وَقَالَ طَلْحَةُ الْعَاقُولِيُّ: الْحِينُ وَالزَّمَانُ وَالْعُمْرُ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُفَرِّقُونَ فِي الْعَادَةِ بَيْنَهُمَا، وَالنَّاسُ يَقْصِدُونَ بِذَلِكَ التَّبْعِيدَ، فَلَوْ حُمِلَ عَلَى الْقَلِيلِ، حُمِلَ عَلَى خِلَافِ قَصْدِ الْحَالِفِ. وَالدَّهْرُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَالْحِينِ أَيْضًا لِهَذَا الْمَعْنَى. وَقَالَ فِي " بَعِيدٍ " و " مَلِيءٍ "، " وَطَوِيلٍ ": هُوَ أَكْثَرُ مِنْ شَهْرٍ.

وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ضِدُّ الْقَلِيلِ، فَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى ضِدِّهِ. وَلَوْ حَمَلَ الْعُمْرَ عَلَى أَرْبَعِينَ عَامًا، كَانَ حَسَنًا؛ لِقَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ نَبِيِّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ} [يونس: ١٦] . وَكَانَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَيَجِبُ حَمْلُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْعُمْرَ فِي الْغَالِبِ لَا يَكُونُ إلَّا مُدَّة طَوِيلَةً، فَلَا يُحْمَلُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ.

(٨١١٣) فَصْلٌ: فَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ الدَّهْرَ، أَوْ الْأَبَدَ، أَوْ الزَّمَانَ. فَذَلِكَ عَلَى الْأَبَدِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ، وَهِيَ لِلِاسْتِغْرَاقِ فَتَقْتَضِي الدَّهْرَ كُلَّهُ.

[فَصْلٌ حَلَفَ عَلَى أَيَّامٍ]

(٨١١٤) فَصْلٌ: إنْ حَلَفَ عَلَى أَيَّامٍ، فَهِيَ ثَلَاثَةٌ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: ٢٠٣] . وَهِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ. وَإِنْ حَلَفَ عَلَى أَشْهُرٍ، فَهِيَ ثَلَاثَةٌ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ. وَإِنْ حَلَفَ عَلَى شُهُورٍ، فَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ، أَنَّهَا ثَلَاثَةٌ؛ لِذَلِكَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: يَتَنَاوَلُ يَمِينُهُ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} [التوبة: ٣٦] . وَلِأَنَّ الشُّهُورَ جَمْعُ الْكَثْرَةِ، وَأَقَلُّهُ عَشَرَةٌ، فَلَا يُحْمَلُ عَلَى مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ جَمْعُ الْقِلَّةِ.

[مَسْأَلَةٌ حَلَفَ أَنْ يَقْضِيَهُ حَقَّهُ فِي وَقْتٍ فَقَضَاهُ قَبْلَهُ]

(٨١١٥) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ (وَلَوْ حَلَفَ أَنْ يَقْضِيَهُ حَقَّهُ فِي وَقْتٍ، فَقَضَاهُ قَبْلَهُ، لَمْ يَحْنَثْ، إذَا كَانَ أَرَادَ بِيَمِينِهِ إنْ لَا يُجَاوِزَ ذَلِكَ الْوَقْتَ) وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٌ، وَأَبُو ثَوْرٍ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَحْنَثُ إذَا قَضَاهُ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ فِعْلَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ مُخْتَارًا، فَحَنِثَ، كَمَا لَوْ قَضَاهُ بَعْدَهُ. وَلَنَا، أَنَّ مُقْتَضَى هَذِهِ الْيَمِينِ، تَعْجِيلُ الْقَضَاءِ قَبْلَ خُرُوجِ الْغَدِ، فَإِذَا قَضَاهُ قَبْلَهُ، فَقَدْ قَضَى قَبْلَ خُرُوجِ الْغَدِ، وَزَادَ خَيْرًا، وَلِأَنَّ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى النِّيَّةِ، وَنِيَّةُ هَذَا بِيَمِينِهِ تَرْكُ تَعْجِيلِ الْقَضَاءِ قَبْلَ خُرُوجِ الْغَدِ، فَتَعَلَّقَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>