للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النِّصَابُ فِي الْجِنْسِ بِانْفِرَادِهِ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَاسٌ، فَلَا يَكْمُلُ نِصَابُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، كَغَيْرِ الْمَعْدِنِ. وَالصَّوَابُ، إنْ شَاءَ اللَّهُ، أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَعْدِنُ يَشْتَمِلُ عَلَى ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ فَفِي ضَمِّ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخِرِ وَجْهَانِ؛ بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي ضَمِّ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ فِي غَيْرِ الْمَعْدِنِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ أَجْنَاسٌ مِنْ غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، ضُمَّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي قِيمَتِهَا، وَالْقِيمَةُ وَاحِدَةٌ، فَأَشْبَهَتْ عُرُوضَ التِّجَارَةِ.

وَإِنْ كَانَ فِيهَا أَحَدُ النَّقْدَيْنِ، وَجِنْسٌ آخَرُ، ضُمَّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ، كَمَا تُضَمُّ الْعُرُوض إلَى الْأَثْمَانِ. وَإِنْ اسْتَخْرَجَ نِصَابًا مِنْ مَعْدِنَيْنِ، وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مَالُ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَأَشْبَهَ الزَّرْعَ فِي مَكَانَيْنِ.

[الْفَصْلُ الرَّابِعِ فِي وَقْتِ الْوُجُوبِ لِإِخْرَاجِ زَكَاة الْمَعَادِنِ]

(١٩١٠) الْفَصْلُ الرَّابِعِ، فِي وَقْتِ الْوُجُوبِ، وَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ حِينَ يَتَنَاوَلُهُ وَيَكْمُلُ نِصَابُهُ، وَلَا يُعْتَبَرُ لَهُ حَوْلٌ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ.

وَقَالَ إِسْحَاقُ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا شَيْءَ فِي الْمَعْدِنِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» . وَلَنَا، أَنَّهُ مَالٌ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْأَرْضِ، فَلَا يُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِ حَقِّهِ حَوْلٌ، كَالزَّرْعِ وَالثِّمَارِ وَالرِّكَازِ، وَلِأَنَّ الْحَوْلَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي غَيْرِ هَذَا لِتَكْمِيلِ النَّمَاءِ، وَهُوَ يَتَكَامَلُ نَمَاؤُهُ دُفْعَةً وَاحِدَةً، فَلَا يُعْتَبَرُ لَهُ حَوْلٌ كَالزُّرُوعِ، وَالْخَبَرُ مَخْصُوصٌ بِالزَّرْعِ وَالثَّمَرِ، فَيُخَصُّ مَحَلُّ النِّزَاعِ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا فَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ إلَّا بَعْدَ سَبْكِهِ، وَتَصْفِيَتِهِ، كَعُشْرِ الْحَبِّ، فَإِنْ أَخْرَجَ رُبْعَ عُشْرِ تُرَابِهِ قَبْلَ تَصْفِيَتِهِ، وَجَبَ رَدُّهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا، أَوْ قِيمَتُهُ إنْ كَانَ تَالِفًا.

وَالْقَوْلُ فِي قَدْرِ الْمَقْبُوضِ قَوْلُ الْآخِذِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ، فَإِنْ صَفَّاهُ الْآخِذُ، فَكَانَ قَدْرَ الزَّكَاةِ، أَجْزَأَ، وَإِنْ زَادَ رَدَّ الزِّيَادَةَ، إلَّا أَنْ يَسْمَحَ لَهُ الْمُخْرِجُ. وَإِنْ نَقَصَ فَعَلَى الْمُخْرِجِ. وَمَا أَنْفَقَهُ الْآخِذُ عَلَى تَصْفِيَتِهِ، فَهُوَ مِنْ مَالِهِ، لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمَالِكِ وَلَا يَحْتَسِبُ الْمَالِكُ مَا أَنْفَقَهُ عَلَى الْمَعْدِنِ فِي اسْتِخْرَاجِهِ مِنْ الْمَعْدِنِ، وَلَا فِي تَصْفِيَتِهِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَلْزَمُهُ الْمُؤْنَةُ مِنْ حَقِّهِ. وَشَبَّهَهُ بِالْغَنِيمَةِ، وَبَنَاهُ عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ هَذَا رِكَازٌ فِيهِ الْخُمْسُ. وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَاجِبَ فِي هَذَا زَكَاةٌ، فَلَا يُحْتَسَبُ بِمُؤْنَةِ اسْتِخْرَاجِهِ فَتَصْفِيَتِهِ كَالْحَبِّ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَيْهِ احْتَسَبَ بِهِ، كَمَا يَحْتَسِبُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَى الزَّرْعِ.

[فَصْلُ لَا زَكَاةَ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ الْبَحْرِ كَاللُّؤْلُؤِ وَالْمَرْجَانِ وَالْعَنْبَرِ وَنَحْوِهِ]

(١٩١١) فَصْلٌ: وَلَا زَكَاةَ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ الْبَحْرِ، كَاللُّؤْلُؤِ وَالْمَرْجَانِ وَالْعَنْبَرِ وَنَحْوِهِ، فِي ظَاهِرِ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتِيَارِ أَبِي بَكْرٍ. وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَعَطَاءٌ، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٌ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ.

وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّ فِيهِ الزَّكَاةَ؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ مَعْدِنٍ، فَأَشْبَهَ الْخَارِجَ مِنْ مَعْدِنِ الْبَرِّ. وَيُحْكَى عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ الْعَنْبَرِ الْخُمْسَ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَالزُّهْرِيِّ. وَزَادَ الزُّهْرِيُّ فِي اللُّؤْلُؤِ يُخْرَجُ مِنْ الْبَحْرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>